من بين الرؤساء الأربعة والأربعين الذين تعاقبوا على حكم الولايات المتحدة منذ تأسيسها، ينتمي الجميع باستثناء حفنة صغيرة إلى قائمة صغيرة نسبياً من الطوائف البروتستانتية التقليدية. فقد كان اثنا عشر رئيساً منهم (12 باحتساب توماس جيفرسون الذين كانت معتقداته موضوع نقاش) ينتمون إلى الكنيسة الأسقفية، وثمانية إلى الكنيسة المشيخية، وأربعة إلى الكنيسة الميثودية، وأربعة إلى الكنيسة المعمدانية، إلخ. هذا في حين كان أوباما يرتاد كنيسة المسيح المتحدة للثالوث في شيكاجو، وهي طائفة ذات جذور بروتستانتية تقليدية على الرغم من أسقفها غير التقليدي المبجل جيرمي رايت. وفي واشنطن، يرتاد الرئيس الأميركي قداسات دينية في كنائس بروتستانتية للسود في الغالب. أما الرئيس الوحيد الذي كانت جذوره خارج التقليد الرئيسي بوضوح، فهو جون إف كينيدي، الذي كان كاثوليكياً. غير ألا أحد من بين المرشحين الرئيسيين للتنافس على الانتخابات الرئاسية باسم الحزب "الجمهوري" ينتمي إلى الطوائف البروتستانتية التي لطالما هيمنت على الثقافة السياسية الأميركية. ذلك أن اثنين من المرشحين هما من المورمون (الحاكم السابق لولاية ماساتشوسيتس ميت رومني والحاكم السابق لولاية يوتا جون هانتسمان)؛ وواحداً ينتمي إلى الكنيسة الإنجيلية متعددة المذاهب (الحاكم السابق لولاية مينيسوتا تيم بولنتي)، واثنين آخرين كاثوليكيين (رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش وعضو مجلس الشيوخ السابق ريك سانتوروم). أما النائبة ميشيل باشمان، التي تقول إنها تدرس إمكانية المشاركة في السباق، فترتاد كنيسة إنجيلية لوثرية. وفي حال انتخابها، فإنها ستصبح أول لوثرية تشغل منصب رئاسة البلاد. وبغض النظر عمن سيفوز من هذه القائمة، فالأكيد أنه لن يكون من الكنيسة الأسقفية أو المشيخية أو الميثودية. ويعكس هذا التنوع الطائفي داخل الحزب "الجمهوري" اتجاهاً بدأ منذ نصف قرن من الزمن: تراجع حجم وتأثير الكنائس "الرئيسية". ونتيجة لذلك، لم تعد المؤسسة الرسمية الأميركية بروتستانتية على نحو متوقع. وعلى سبيل المثال، فإن المحكمة العليا، التي كانت في الماضي معقلاً من معاقل أتباع الكنيستين الأسقفية والمشيخية، باتت اليوم تضم ستة كاثوليكيين وثلاثة يهود، ولا بروتستانتياً واحداً بين أعضائها. وإضافة إلى ذلك، جرى استيعاب الكاثوليكية، التي كانت تمثل كنيسة المهاجرين في الماضي، ضمن النخبة الأميركية بشكل كامل، حيث بات الساسة الكاثوليك، الذين كانوا يميلون في الماضي إلى أن يكونوا "ديمقراطيين" بشكل حصري، من بين زعماء كلا الحزبين. واليوم، ينتمي الرئيس "الجمهوري" لمجلس النواب إلى الكنيسة الكاثوليكية (وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب يهودي ). كما يعكس هذا التنوع الكبير بين السياسيين قدراً أكبر من التسامح من جانب الناخبين الأميركيين، على الأقل تجاه بعض الطوائف. ففي عام 1960، اضطر المرشح كينيدي إلى الرد على مخاوف البروتستانت بأن رئيساً كاثوليكياً سيتلقى التوجيهات من الفاتيكان، أما اليوم، فقد بات مرشحون كاثوليك محافظون يعولون على الفوز بأصوات بروتستانت إنجيليين. هذه الرمال الدينية المتحركة أحدثت تغييراً بنيوياً في العلاقة بين السياسة والدين في الولايات المتحدة. ذلك أنه إذا كانت الانقسامات الدينية الرئيسية في الماضي قائمة بين البروتستانت والكاثوليك واليهود، فإنها اليوم بين "المحافظين" و"الليبراليين" داخل كل ديانة أو طائفة. ذلك أنه في يوم الانتخابات، يكون لدى البروتستانت المحافظين قواسم مشتركة أكثر مع الكاثوليك المحافظين مقارنة مع أتباع الكنيسة المشيخية الليبراليين. ومما لاشك فيه أنه مازال ثمة هوة في السياسة الأميركية بين الملتزمين دينياً (الذين يميلون إلى التصويت للجمهوريين) والأقل التزاماً (الذين يميلون إلى التصويت للديمقراطيين)، ولكن هذه الهوة باتت اليوم تعبر الخطوط الطائفية. وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة نوتر دام، ديفيد كامبل: "إذا أخبرتني بما أن كنت تقول صلاة المائدة قبل الوجبات كل يوم، فربما أستطيع أن أتنبأ بالطريقة التي تصوت بها" (يذكر هنا أن نحو 44 في المئة من الأميركيين يقولون صلاة المائدة، ومعظمهم يصوتون للجمهوريين). وذلك يساعد أيضاً على تفسير سبب انحدار الكثير من المرشحين الجمهوريين من خلفيات دينية محافظة – سواء مورمون أو كاثوليك أو إنجيليين – بدلًا من الطوائف "الجمهورية" التقليدية الأكثر ليبرالية، التي تقف اليوم خارج التيار الرئيسي المحافظ للحزب. ويقول معظم الناخبين إنهم يرغبون في أن يعلن مرشحوهم نوعاً من الاعتقاد الديني. ولا غرو، فالولايات المتحدة هي الأكثر تديناً من بين البلدان الصناعية الكبرى، حيث تفوق نسبة الأميركيين الذين يشاركون في قداس ديني أسبوعي الإيرانيين – علماً بأن إيران دولة ثيوقراطية. ونتيجة لذلك، فإن السياسة الأميركية مجال يجدر بالملحدين ألا يحاولوا دخوله. وفي هذا السياق، يقول "مايكل كرومارتي" من مركز الأخلاقيات والسياسة العامة، وهو مركز بحوث في واشنطن: "يمكن أن تعرف اقتراب موعد الانتخابات عندما يبدأ كل المرشحين في الذهاب إلى الكنيسة مرة أخرى". غير أنه يمكن القول إن الحياة السياسية الأميركية أكثر تسامحاً من تقاليد دينية مختلفة مقارنة مع فترة ما قبل نصف قرن من الزمن، ولكن ذلك التسامح له حدود مع ذلك. فإذا كان الباب قد فتح في وجه الكاثوليك وحتى اليهود للترشح للرئاسة، فإن "المورمون" مازالوا يواجهون عقبة كبيرة - ناهيك عن المسلمين. أما الملحدين، فحدث ولا حرج. وبالتالي، أجل هناك اختبار ديني فعلي لمنصب الرئاسة، اختبار لا تجريه الإدارة، بل هو مسألة مستوى راحة الناخبين. غير أنه إذا كان نصف القرن الفائت يشير إلى شيء، فهو أن هذا الاختبار يزداد سهولة مع مرور الوقت. فالاتجاه هو نحو قدر أكبر من الانفتاح. وقوس التاريخ الأميركي طويل، ولكنه يميل نحو التسامح. دويل ماكمانوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"