رغم مرور عقد من الزمن على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن تداعياتها لا تزال مستمرة حتى اليوم، لاسيما فيما يتعلق بصورة المسلمين في العالم وتجربتهم الحياتية في بلدان غربية لم تعد ترحب بهم كما كان الوضع في السابق عندما انتقلوا إليها كعمال لبناء الاقتصاد الأوروبي ما بعد الحرب. هذه الصور النمطية المستجدة التي تصور المسلمين على أنهم إرهابيون متعطشون للدماء، هي ما يسعى الكتاب الذي نعرضه هنا للمؤلفين بيتر موري وأمينة يقين، بعنوان "صياغة المسلمين... الصور النمطية وتمثلات ما بعد 9/11"، إلى تسليط الضوء عليه من خلال تعقب تجارب المسلمين في الغرب والتفاعل الشعبي والرسمي معهم في بلدانهم الجديدة. فرغم محاولة الإعلام في السنوات الأخيرة تفادي الوقوع في فخ التعميم وسعيه إلى نقل صورة أقرب ما تكون لتعددية المسلمين واختلاف آرائهم لم ينجح الإعلام في مجمله، حسب المؤلفين، في التخلص من الصور النمطية التي تطارد المسلمين في الغرب، بل ساهم في تكريسها وتأجيج بعض الأفكار القومية المتطرفة في أوروبا. وللتدليل على ذلك يسوق الكتاب مجموعة من الأمثلة كتلك التي تتساءل في وسائل الإعلام البريطانية عن مدى تشجيع المسلمين المنحدرين من أصول آسيوية لفريق الكريكت الإنجليزي في حال لعب مع فريق هندي أو باكستاني، مطلقةً حملات التشكيك في ولاء المسلمين البريطانيين. ومع أن المثال لا يحمل أي مسؤولية قانونية بالنسبة للمسلمين، ما دام تشجيع فرق رياضية هو من صميم الحرية الشخصية للأفراد، تظل هناك نماذج أكثر إيذاء لمشاعر المسلمين في أوروبا. وفي هذا السياق يفصل الكتاب ما حصل في سويسرا من حملة ممنهجة استهدفت المسلمين وتقاليدهم وبدأت عندما تم طرح مشروع قانون صوت عليه السكان بالأغلبية يحظر بناء المآذن بعدما صورتها الملصقات الإعلانية في المدن والبلدات السويسرية على أنها صواريخ مستعدة للانطلاق واستهداف الأبرياء في إحالة مباشرة إلى تاريخ 11 سبتمبر الذي لم يفارق على ما يبدو مخيلة السويسريين. لكن السؤال الذي يطرحه الكتاب بشأن الصورة النمطية التي يخص بها المسلمين هو ما إذا كانت سابقة على أحداث 11 سبتمبر وثاوية في تلافيف العقل الغربي، أم أنها مشروطة بالهجمات وبالتالي لاحقة عليها؟ للإجابة على السؤال يتعقب الكتاب وضعية المسلمين في البلدان الأوروبية خصوصاً قبل الهجمات، ويرى أنها كانت دائماً تتأرجح بين التسامح والتضييق، وأن المسلمين ظلوا لفترات طويلة تحت رحمة الحكومات الأوروبية وتأرجحها بين اليمين الكاره للمهاجرين واليسار المتسامح معهم، وهو ما يظهر بوضوح أكثر في بلدان مثل فرنسا وإيطاليا، إذ في الوقت الذي انتهجت فيه الحكومات اليسارية الفرنسية في عهد متيران الذي تعامل بإنسانية مع المهاجرين ومن ضمنهم المسلمون وتم السماح لهم ببناء المساجد وحق التجمع العائلي وغيره، كان موقف الحكومات اليمينية حذراً ومتشدداً أحياناً، لاسيما بعد تصاعد المد اليميني في أوروبا. وفي هذا السياق يشير المؤلفان إلى مواقف ساركوزي منذ أن كان وزيراً للداخلية، حيث عُرف عنه أسلوبه الأمني في التعاطي مع المهاجرين، وبخاصة المسلمين، كما بنى حملته الرئاسية على أفكار يمينية واضحة. وقد رأينا كيف أطلق ساركوزي نقاشاً وطنياً حول الهوية الفرنسية، وقبل ذلك عين وزيراً خاصاً بالهوية الوطنية... وهي الخطوات التي اعتبر مسلمو فرنسا أنها تستهدفهم بالدرجة الأولى وتسعى إلى وضعهم في قوالب جامدة تحول المسلم إلى مشروع إرهابي تُصوب ناحيته أعين الأمن والنقاش غير العلمي في وسائل الإعلام. وبخصوص النقاش غير العلمي، أو التعامل السطحي مع هوية المسلمين وتقاليدهم، يركز الكتاب على محاولات التبخيس من قيمة مثقفي المسلمين في الغرب، والذين نجحوا في نيل اعتراف النخبة المثقفة. وفي هذا الإطار يسوق المؤلفان ما يتعرض له المفكر "طارق رمضان" من تضييف في وسائل الإعلام بسبب أفكاره وطروحاته الجريئة عن الإسلام والمسلمين ودعوته إلى بناء "إسلام أوروبي" يكون جزءاً من الحضارة الغربية التي تستثنيه لحد الآن، مقتصرةً على التقليد اليهودي المسيحي، علماً بأن عدد المسلمين في أوروبا يفوق عدد اليهود، كما أن الإسلام يحتل المرتبة الثانية في القارة العجوز. ولم يدخر بعض "مدعي الثقافة"، حسب وصف الكتاب، من النخب الأوروبية، جهداً من أجل ترسيخ صورة سلبية عن المسلمين يتلقفها الرأي العام دون تمحيص ويعممها دون إخضاعها للتفكير النقدي، مثل القضايا المكرورة عن اضطهاد الإسلام للمرأة، وتصوير النساء المسلمات على أنهن خاضعات للرجل لا يستطعن التوجه إلى المسابح المختلطة بسبب التسلط الذكوري! لكن رغم طغيان التصورات الخاطئة حول المسلمين في الغرب ووجودها حتى قبل هجمات 11 سبتمبر، فقد شكلت هذه الأخيرة نقطة فاصلة في تكريس تلك الصور وتعميم صنوف من الكراهية المتبادلة التي لم تعد مقتصرة على ضيق الغربيين من مواطنيهم المسلمين، بل امتدت إلى استهداف الإسلام في رموزه، مثلما حدث مع الرسوم الكاريكاتورية المسيئة وما أثارته من إشكالات على الصعيد العالمي. زهير الكساب الكتاب: صياغة المسلمين... الصور النمطية والتمثلات ما بعد 9/11 المؤلفان: بيتر موري وأمينة يقين الناشر: جامعة هارفارد تاريخ النشر: 2011