بدأ مجلس "العموم" الكندي أعمال دورته الرابعة والأربعين، بكلمات تقليدية من رئيس المجلس، ممثل حكومة "المحافظين" برئاسة هاربر، وزعيم المعارضة "جاك ليتون" رئيس الحزب "الديمقراطي الجديد" الذي حظي حزبه لأول مرة، بزعامة المعارضة في تاريخ الحياة النيابية البرلمانية في كندا. وتعهد الرجلان بالتزام التقاليد البرلمانية الحسنة وتفادي الكلمات الخشنة والتلاسن الذي يميز الدورة الثالثة والأربعين، وقال كل منهما إنه سيبذل أقصى الجهد ليكون البرلمان فاعلاً ومحترماً محققاً لتطلعات الشعب الكندي. لكن زعيم المعارضة لم ينس أن يذكر رئيس الحكومة بأنه رغم فوز حزبه بأغلبية مقاعد المجلس، فإنه لم يحظ بثقة الشعب عند حساب أصوات الناخبين الذين أوصلوه إلى تكوين حكومة الأغلبية المريحة التي كان يريدها، حيث أن نصف الناخبين منحوا أصواتهم لأحزاب المعارضة! من الطبيعي أن تمرر الحكومة "المحافظة" أجندتها المعلنة والخفية تحقيقاً لمبدأ الالتزام الحزبي الذي سيفرضه الرئيس على أعضاء حزبه من النواب، لكن المتابع لمجريات الحياة السياسية اليومية، قد يجازف بالقول إن الأغلبية البرلمانية المريحة التي حققها "هاربر" ستواجه بعواصف ومشكلات من الشارع الكندي، وإن صعوبات حقيقية ستقعد برئاسة الحكومة "المحافظة" عن الوفاء بالتزاماتها، خاصة في الجانب الاقتصادي مع ارتفاع حالة الغلاء ومع التزام "المحافظين" العقائدي بخفض الضرائب للشرائح المالية المؤثرة، ومع إصراره على تحقيق وعوده بخفض الإنفاق الحكومي. ستبدأ العواصف السياسية في وجه الحكومة الأسبوع المقبل مع بدء البرلمان دورات انعقاده. فقد استبق "هاربر" الدورة بإعلانه، عقب عودته من قمة الثماني الأخيرة في فرنسا، أن أول طلب سيتقدم به لمجلس "العموم" هو إصدار لائحة لتمديد فترة عمل القوات العسكرية الكندية العاملة ضمن العمليات التي ينفذها "الناتو" ضد قوات القذافي لتشمل مهمة حماية الثورة ومساعدتها للإطاحة بالقذافي. وبالطبع فإن هدفاً كهذا قد يتطلب إنزال قوات كندية على الأراضي الليبية، وهو موقف يجد رفضاً من غالبية الكنديين الذين ينظرون إلى قواتهم المسلحة على أنها قوة حفظ نظام، وحينئذ ستثار أسئلة صعبة، وقد بدأت بالفعل تتردد بين المواطنين: ما المبرر الوطني أو الإنساني الذي يدفع إلى الزج بالكنديين في حرب لا علاقة لهم بها؟ وما مصلحة كندا في القيام بمغامرة غير معروفة النتائج؟ ولماذا كندا من دون دول أخرى كثيرة في "الناتو" تقوم بهذا العمل، بينما تتردد الولايات المتحدة في دخوله؟ في هذا الصدد يقولون إن "هاربر" الذي يريد من البرلمان منحه التأييد لتولي هذا العمل، هو نفسه الذي رفض اقتراح أوباما أثناء قمة مجموعة الثماني، والمتمثل في التبرع مالياً لـ"الربيع العربي" في مصر وتونس، معللاً ذلك بأن مساهمة كندا تدخل ضمن مساهمة صندوق النقد الدولي، وبأنه لا يرى معنى للتبرع لثورات مجهولة الهوية ومشكوك في نهايتها. و"هاربر" نفسه الذي ناور حول اقتراح الرئيس الأميركي الخاص بحل الدولتين في فلسطين، اضطر تحت الضغط إلى القول بأن موقف كندا التاريخي هو مع الدولتين اليهودية والفلسطينية، لكنه قال ساخراً: واقعياً ما هي وأين الدولة الفلسطينية التي يتحمس لها الرئيس الأميركي؟ "المحافظون" الكنديون يمنون أنفسهم بأربع سنوات برلمانية مريحة ودون منغصات، لكن من يدري، ففي السياسة يكذب على نفسه من يتمنى الراحة في ظل المعارضة الشعبية.