في نسختها العاشرة تألقت جائزة الصحافة العربية كعادتها، حيث أقام "نادي دبي للصحافة" احتفالية كبرى حضرها العديد من الإعلاميين العرب والمكرمين من الفائزين بفروع جائزة الصحافة العربية. كما سبقَ ذلك افتتاح منتدى الإعلام العربي الذي تدارس فيه أكاديميون وصحافيون، من مختلف الأجيال، حال الصحافة العربية والتطورات التي حدثت في العالم العربي خلال الشهور الستة الماضية. وظهر مصطلح "إعلام القرب" الذي برز في الولايات المتحدة ولم يصلنا حتى الآن في صورته الحقيقية. وهو يتعلق بالحيّز الجغرافي الذي ينطلق منه الإعلام. وتراوحت الآراء حول المصطلح بين مؤيد لانطلاقة "إعلام القرب" ومعارض له وربطه بالإعلام الجديد. ولعلنا نتذكر بعض البرامج الجهوية في بعض المحطات التلفزيونية أو الإذاعية العربية، بحث يتم التركيز على الحيّز الجغرافي الذي تعيش فيه جماعة من الناس، ويهتم بشؤونهم وآمالهم. وكان للإعلام الإلكتروني أيضاً مكان في النقاشات من حيث سرعة ودقة وشمولية النقل للأحداث، كما أن التحولات العربية قد ساهمت في تحقيق نقلة نوعية وعجلّت من إيقاع الإعلام العربي، بفضل تكنولوجيا العصر وأهمها الإنترنت. وقد انتصر "الفيسبوك" و"التويتر" على رغم كونهما "ضعيفين" على ترسانات الإعلام العربي وقوضا قلاع الإعلام الرسمي الذي أغفل دور المتلقي لأكثر من أربعين أو خمسين عاماً. وجعل الإنسان العربي أسيراً وغائباً فيه، دون أن تتاح له فرصة التعبير عن آرائه في حياته ومعاشه وطريقة تفكيره. ولقد أدخل الإعلام الجديد - من خلال تلك التغيرات- الإنسان العربي في "المجتمع العالمي" أو العولمي. وهذا بحد ذاته يفرض حتميات عديدة على الدول التي لم تأخذ بهذا الإعلام. وهنالك من رأى أن نظرة العالم إلى الوطن العربي وإنسانه قد تغيّرت بعد تلك الأحداث. وأن "ديكتاتورية" مالكي الإعلام يجب أن تنتهي ويكون الشعبُ مشاركاً في صنع إعلامه وتوجهاته دون وصاية من أحد. وربط بعضهم تلك "الديكتاتورية" بموضوع التمويل أو التملك. تماماً كما هو الحال مع زيادة إشراك التكنولوجيا الجديدة في الإعلام، ومحاولة تحديث الأساليب التقليدية التي سادت الإعلام العربي ردحاً من الزمن. ونعود لجائزة الصحافة العربية التي دخلت عامها العاشر هذا العام بتكريم ثلة من الصحافيين العرب. حيث تطور عدد المشاركين في الجائزة من 800 مشارك ومشاركة عام 2000 إلى 3835 مشاركاً ومشاركة! وتطورت المشاركات النسائية لتصل إلى 40% من مجموع المشاركات. وهو رقم يدل دلالة واضحة على دور المرأة في الصحافة العربية ودأبها على المشاركة إلى جانب الرجل. ووصلت فئات الجائزة إلى 11 فئة تشمل كافة اتجاهات النشر. مع تكريم شخصية العام الإعلامية والتي ذهبت إلى ناصر محمد العثمان عميد الصحافة القطرية والأمين العام لاتحاد الصحافة الخليجية. وفاز بجائزة العمود الصحافي اليومي تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض السعودية. كما تم تكريم عائلات الصحافيين الذي سقطوا وهم يؤدون واجبهم في نقل الحقيقة، وكانت تلك لفتة كريمة من إدارة الجائزة. ويجمع العديد من الإعلاميين الذين احتشدوا في دبي على أن اللقاء السنوي بحد ذاته يمثل إنجازاً مهمّاً على صعيد توثيق علاقات الصحافيين العرب وتداول قضايا الأمة، وكذلك تحديث المعلومات والاستفادة من التجارب الأخرى سواء في الجلسات العلمية للمنتدى أم في الجلسات الخاصة. وقد قامت الأمانة العامة للجائزة بدور مهم وفعال في الإعداد والتنسيق مع لجان التحكيم التي بلغ عددها 60 محكماً هذا العام، خصوصاً في ظل وصول المشاركات هذا العام إلى 3835 مشاركة. فالتحية واجبة لفريق الأمانة العامة برئاسة الزميلة مريم بن فهد والأخت منى بوسمرة وبقية طاقم الأمانة العامة الذين وفروا كل إمكانيات النجاح لهذا التجمع الإعلامي الكبير. وكان لروحهم الوثابة الدور الأهم في توفر مناخ وديّ وعائلي، لم تعكره رياح السياسة ولا الاتجاهات الفكرية الحرة التي سادت حوار الإعلاميين. لقد حققت جائزة الصحافة العربية أهدافها بتكريم هذا العدد الكبير من الإعلاميين المبدعين، وبزيادة تكريم فئة الشباب من 2 إلى 4، تشجيعاً للشباب على المزيد من الإبداع في العمل الصحافي. كما أثبتت الجائزة أنها الأكثر مصداقية وثقة في العالم العربي، الذي تسوده في بعض الأحيان موجات المجاملة والانحياز. وهي بهذا "تهذب" العمل الصحافي وتقربه من قيم المهنية التي افتقدتها وسائل الإعلام في كثير من الدول. وهي كذلك تُخلّق جيلاً من الإعلاميين المبدعين لا الموظفين أو المؤدلجين الذين يفكر الحزب أو الدولة نيابة عنهم. فشكراً لنادي دبي للصحافة على هذه المسيرة. ونأمل لأهله وأعضائه دوام النجاح.