حتى وقت قريب كانت بلدان الاتحاد الأوروبي تحتل المكانة الأولى، كشريك أول لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن مماطلة الدول الأوروبية في توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع دول المجلس على مدى العشرين عاماً الماضية ساهمت في تراجع حاد لحصة بلدان الاتحاد الأوروبي في التجارة الخارجية لدول المجلس. لقد سبق وأن نبهنا منذ سنوات في هذا المكان البلدان الأوروبية إلى أن هذه المماطلة ستنعكس سلباً على علاقات هذه البلدان مع دول الخليج، وخصوصاً أن هناك بدائل تمخضت عن التغيرات الكبيرة في العلاقات الاقتصادية الدولية، إلا أن بلدان الاتحاد الأوروبي تمسكت ولا زالت بقشور الأمور وبتفاصيلها الصغيرة على حساب مصالحها الحيوية في منطقة تشهد واحداً من أعلى معدلات النمو في العالم. فأوروبا تحاول من خلال التأجيلات المتكررة لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع دول المجلس حماية منتجاتها البتروكيماوية ومنتجات حلفائها في أوروبا الشرقية من الألمنيوم والبتروكيماويات، حيث كلفتها هذه الحماية مكانتها التجارية في بلدان المجلس التي تشكل أكبر مصدر للنفط في العالم. والقارة العجوز لا تقول ذلك صراحة، بل إنها تتحجج بقضايا سياسية، كالحريات العامة وحقوق الإنسان، علماً بأن الولايات المتحدة الأميركية التي تقود نفس النهج الحقوقي على المستوى العالمي (ما عدا حقوق الشعب الفلسطيني) سبق وأن وقعت اتفاقيات للتجارة الحرة مع بعض دول المجلس، مما يعني أن هذه الحجج لا أساس لها من الصحة. ويبدو أن الصين والهند لم تستفيدا من تجربة الاتحاد الأوروبي في علاقاتهما مع دول المجلس، فهذان البلدان الآسيويان الصاعدان قد أزاحتا ومنذ خمس سنوات البلدان الأوروبية عن مكانتها، كشريك تجاري أول لدول مجلس التعاون، حيث تضاعف التبادل التجاري بين كل من الصين والهند من جهة ودول مجلس التعاون من جهة أخرى. فحصتا الصين والهند في التجارة الخارجية غير النفطية لدول المجلس لم تتجاوز 15% قبل ثلاثين عاماً أي في عام 1980 حيث ارتفعت هذه النسبة إلى ما يقارب 40% في عام 2010 في الوقت الذي تراجعت فيه حصة بلدان الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المشار إليها. ورغم هذه التطورات الإيجابية الكبيرة بين الطرفين، فان كل من الصين والهند لم تستفد من التجربة السابقة لعلاقة الدول الخليجية مع بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث عمدت كل منهما في الآونة الأخيرة إلى وضع قيود جديدة على وارداتهما من المنتجات الخليجية من البتروكيماويات في سابقة تشير إلى إمكانية تراجع حصتهما المستقبلية في التجارة الخارجية لدول المجلس. ويتعلق هذا الاحتمال بإمكانية قيام دول مجلس التعاون بإجراءات مماثلة فيما يتعلق بوارداتها من الصين والهند، علماً بأن النمو المستقبلي للهند والصين سيعتمد كثيراً على وارداتهما من النفط الخليجي ليشبه وضعهما في ذلك إلى حد بعيد وضع اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، التي اعتمدت بصورة شبه تامة في معجزتها الاقتصادية على وارداتها من النفط. ولا نتمنى أن تصل الأمور إلى هذا الحد من التأزم التجاري بين هذه الأطراف، فالمصالح المشتركة بين دول المجلس وكل من الهند والصين كثيرة ومتشعبة وتخدم الطرفين وتتيح تعاونهما في المنظمات الدولية، إلا أن ذلك بحاجة لإيجاد تفاهمات مشتركة تزيل العراقيل عن التبادل التجاري بين الطرفين. وفي هذا الصدد يكمن أحد الحلول في سرعة توقيع اتفاقيات للتجارية الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة وكل من الصين والهند من جهة أخرى، حيث أعربت دول المجلس في أكثر من مناسبة عن ترحيبها بتوقيع مثل هذه الاتفاقيات مع هذه وغيرها من البلدان الصاعدة.