وجه مجلس النواب في الكونجرس الأميركي تقريعاً شديد اللهجة إلى إدارة أوباما يوم الجمعة الماضي اشترك فيه الحزبان معاً لعدم لجوء الرئيس إلى الكونجرس وطلب الترخيص للحملة العسكرية في ليبيا ولعدم توضيحه ما يجري هناك والدفاع عن موقفه أمام مجلسي الشيوخ والنواب، فمن الضروري للغاية أن تستوعب إدارة أوباما الحاجة إلى تصويت الكونجرس بمجلسيه على قرار الموافقة والترخيص والتراجع عن الخطط الجارية حالياً لتأمين قرار غير ملزم من مجلس الشيوخ فقط يسمح للإدارة بمواصلة العمل العسكري في ليبيا، فالمطلوب من أوباما فتح حوار جدي مع الكونجرس وعرض أفكاره لإقناع المجلسين بإصدار قرار ملزم يرخص للعمل العسكري بوضوح، وهو المطلب الذي ناضلت من أجله طيلة الثلاثة أشهر الماضية منذ مشاركة القوات الأميركية في الحملة العسكرية على ليبيا. ولأن الإدارة لجأت إلى الخيار السهل بوصفها التصويت على الحرب بأنه " عمل غير ضروري ولا يساعد"، فإنها في النهاية لن تلوم إلا نفسها، فالبيت الأبيض يواجه في هذه اللحظة معارضة قوية من الحزبين داخل الكونجرس لتجاهله دورهم لأكثر من شهرين، وسعيه إلى تجاوز اختصاصات الكونجرس الدستورية التي بموجبها يتعين على كل رئيس أميركي طلب موافقة ملزمة من مجلسي الكونجرس قبل البدء في أي عمل عسكري يورط البلاد ويلزمها بإرسال أبنائها إلى ساحات القتال، أو استخدام العتاد الأميركي في الحروب. لكن في الوقت الذي كان فيه أوباما يبحث عن تفويض من الأمم المتحدة، فقد تجاوز تماماً الكونجرس قبل إعلان الحرب، رغم ما ينص عليه الدستور الأميركي بصريح العبارة في المادة الأولى، بل حتى بعد انخراط الطيران الأميركي في قصف أهداف ليبية واستمرار المعارك لم يستدرك أوباما ما فاته وأصر على تجاهل الكونجرس والقفز على سلطاته. وقد تعهد الرئيس بأنه سيلتزم بقانون صلاحيات الحرب الذي يفرض على السلطة التنفيذية اللجوء إلى الكونجرس لطلب الموافقة بعد ستين يوماً من بدء الأعمال العسكرية، لكن هذه المهلة المحددة في القانون انتهت دون أن نرى محاولة واحدة من أوباما لإقناع الكونجرس بتمديد العمل العسكري، والأكثر من ذلك منعت الإدارة مسؤولي وزارة الدفاع من الإدلاء بشهاداتهم في جلسات استماع عامة وألغت تقديم موجز خاص حول الحرب في ليبيا إلى أعضاء مجلس الشيوخ، هذا الازدراء الذي قوبل به الكونجرس والافتئات على اختصاصاته توجه أوباما بطلب استصدار قرار غير ملزم من مجلس الشيوخ دون غيره، بحيث يبدو أن الرئيس ومساعديه يسعون إلى استدراك التجاهل والالتفاف على الكونجرس بالحصول على تأييد غير ملزم من مجلس الشيوخ يوافق على "استخدام محدود للقوة العسكرية من قبل الولايات المتحدة في ليبيا". والحقيقة أن هذه المحاولات المنفردة والأحادية للرئيس في إدامة الحرب بليبيا ستؤسس لسابقة غير معهودة، فالقرارات غير الملزمة التي تصدر عن مجلس الشيوخ تُستخدم عادة في القضايا غير الخلافية وليس لغرض الترخيص للحرب بما ينطوي عليه هذا القرار من مسؤولية وخطورة. ومع أن هذا القرار لا يرقى إلى القانون الملزم ومن ثم لا يحتاج إلى تأييد من مجلس النواب، إلا أنه سيُستغل من الإدارة للتدليل على موافقة الكونجرس، كما أن تمرير القرار سيمثل خطأ كبيراً لأنه سينال من معايير ترخيص الكونجرس للحروب وسيحرمه من ممارسة حقه الدستوري. وبالتأسيس لسابقة مثل هذه يمهد أوباما الطريق للرؤساء القادمين للاعتماد على تصويت مجلس واحد في الكونجرس والتعامل معه كترخيص نهائي للحرب في تجاهل تام لدور الكونجرس ووظائفه الدستورية. والأكثر من ذلك وبسبب امتناع أوباما عن عرض أفكاره على الكونجرس حرم الشعب الأميركي من فهم دقيق للمصلحة الأميركية في التدخل بليبيا والتكلفة التي ستتكبدها البلاد، بالإضافة إلى الأولويات الضاغطة التي سيتم التضحية بها في سبيل الحرب، بل حتى أهداف التدخل العسكري تظل غير واضحة، إذ في الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة أن الغرض من الحملة العسكرية هو حماية المدنيين وتصريح الرئيس نفسه في شهر مارس الماضي أن "توسيع مهمتنا العسكرية لتمتد إلى تغيير النظام سيكون خطأ"، نفاجأ بإعلان مجموعة الثماني خلال قمتها المنعقدة مؤخراً بفرنسا أن المهمة ستكون تحرير الشعب الليبي من "أربعين عاماً من الاستبداد". فهل الولايات المتحدة مجبرة على المشاركة في إعادة إعمار ليبيا؟ وإذا رجعنا إلى الآباء المؤسسين الذين صاغوا الدستور الأميركي نجد أنهم منحوا الكونجرس صلاحية إعلان الحرب لأسباب وجيهة مثل حمل الرئيس على شرح موقفه بالتفصيل للشعب الأميركي والسماح بإثارة نقاش قوي لفحص دوافع الحرب وبناء قاعدة واسعة من التأييد لإرسال القوات الأميركية إلى الخارج، وهي الأسباب التي لم تراعَ عندما تجاوز أوباما الكونجرس. ولأن دخول الحرب أسهل من الخروج منها فرض الكونجرس قيوداً على إعلانها، لذا يتعين على أوباما استيعاب الدرس من القرار غير الملزم الذي أصدره مجلس النواب يطالبه فيه برفع تقرير إلى الكونجرس يجيب عن عشرين سؤالاً حول ليبيا، وفي حال أجابت الإدارة عن الأسئلة ستكون قد بدأت أولى مشاوراتها الحقيقة مع الكونجرس، كما يتعين على الرئيس التخلي عن قرار مجلس الشيوخ، والسعي إلى قرار ثنائي يمرره الكونجرس بغرفتيه. ريتشارد جي. لوجار سيناتور "جمهوري" من ولاية إنديانا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"