المشهد السياسي الإقليمي غير المستقر في عدد من الدول العربية يتطلب حذراً شديداً في مناقشته، سواء بالكتابة فيه أو تحليله. من الصعب وضع رأي أو تصور مستقبلي حوله حتى ولو لعدة أيام. ضبابية المشهد لا تزيد المواطن العربي سوى حيرة وشك فيما تسير إليه التطورات. فمثل هذه الأجواء المليئة بالتوتر خلقت ضيقاً في مساحات القراءة السياسية الصحيحة لما يمكن أن يحدث خلال الأوقات القادمة. الأمر يشمل حتى من كان متفائلاً بالنجاحات الأولى لحركة الاحتجاج. الآن هناك تخوفات من تفجر الأوضاع وإمكانية حدوث ما لا يخطر بالحسبان. الذي يحصل الآن على الأرض من فوضى ليس ما كان يتمناه أي مواطن عربي أو يسعى له، فهو أكبر المتضررين. المواطن العربي الساعي لتحسين مستوى معيشته وحياته محتار في تحديد موقفه أحياناً؛ تجده يريد التغيير وينادي به بل وفي أحيان كثيرة يشارك فيه، لكن عندما يرى أن مطالبه كانت سبباً في إحداث تصرفات وسلوكيات معظمها يضر به وبوطنه يميل إلى بقاء الوضع على ما هو عليه، فهو أفضل الحلول، على الأقل أنه كان يشعره بالأمن. التطورات الحاصلة في مصر وتونس حتى الآن لا يمكن قراءتها إلا في إطار أنها زادت المواطن هناك حيرة وقلقاً على مستقبله، ولم تساعده على الإحساس بالطمأنينة. يكفي أنه اليوم يعيش هاجس "التفكير" وملاحقة الأخبار والتحليلات ليخرج بشيء يطمئنه. وهو يعيد ترتيب أوراقه التي كانت شبه مستقرة، رغم سوء الوضع، ويتخذ قرارات بعضها غير مقتنع به؛ لأن الرؤية ضبابية وغير واضحة. التقديرات الآنية ترى أن التغييرات الأخيرة نجحت في تغيير رأس النظام فقط، لكنها فشلت في إحداث تحسينات في وضع المواطن العربي وإخراجه من عامل الخوف على مستقبله، وهذا المستقبل بالنسبة له، في أكثر الأحيان، لا يتعدى اليوم الواحد. هناك الكثير من المواقف تنم عن عدم إدراك البعض لما يمكن أن يحصل إذا فقد الاستقرار، فليس كل تغيير أو تحرك احتجاجي ستكون نتيجته أسلوب حياة أفضل، خصوصاً إذا كانت آليات انتقال السلطة فيه غير واضحة. كلنا نتذكر تجربة التغيير المفاجئة في العراق. لم يكن لدى من جاؤوا للحكم أي سيناريو واقعي لإحداث استقرار سياسي واجتماعي وللمحافظة على الدولة العراقية التي أصبحت أسيرة الفوضى في كل شيء، وساحة تتصارع فيها القوى السياسية الداخلية لحسابات الخارج. وقد أثبتت الأيام أن الذي حدث لم يتعد تغيير شخص فقط، لكن الأمور ربما زادت سوءاً. وضع المنطقة متداخل ومعقد. كل المراقبين يعيشون حالة غموض تجعل قراءتهم عبارة عن تكهن وتخمين بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل. القادمون من بلاد التغيير يحملون أخباراً غير تلك التي نراها أو نقرأ عنها، وكلها لا تطمئن المواطن العربي، يلخصها في كلمة "الله يستر" لعجزه عن توقع ما سيكون. المناخ السياسي الإقليمي أقرب إلى حالة الخوف منه إلى الطمأنينة. والمواطن العربي محاصر بين الرغبة في تحسين وضعه المعيشي وبين تقديم تنازلات مؤلمة قد تفقده الكثير. والحال أن الكل يبحث عن مخرج من جملة الأزمات الخانقة التي أحدثتها التطورات الأخيرة. والمشكلة أن الوضوح في الرؤية بعيد المنال كما تشير مجريات الأحداث.