ما هو الشيء الذي يضايقك؟ هل هي الاختناقات المرورية، أم أبواق السيارات، أم تأخر الطائرات، أم قوائم الرسائل الصوتية الطويلة على هاتفك، أم رسائل البريد الإلكتروني المرسلة من أشخاص لا تعرفهم، أم الأشخاص الذين يتحدثون بصوت عالٍ في هواتفهم النقالة، أم الذين يأكلون بطريقة تفتقر للذوق، أم الذين يقصقصون أظافرهم علناً؟ إذا كانت هذه الأشياء تضايقك، فيجب أن تدرك أنك لست وحدك وأن هناك كثيرين يشاركونك هذا الضيق، وأن تلك الأشياء لا تمثل سوى القليل من الأشياء التي تسبب الضيق للناس عادة. وطالما أن الأشياء المسببة للضيق منتشرة في كل مكان، وأن العديد من الناس يجدون أنفسهم متضايقين أغلب الوقت، فإن أحدكم قد يفكر في اللجوء للعلماء المتخصصين، لعله يجد عندهم معلومات تلقي ضوءاً على القلق، وتفسيراً للأسباب التي تجعل أشياء معينة تسبب الضيق الشديد لدى الكثيرين من الناس. أحد هؤلاء العلماء هو "جيمس كروس" أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد الذي يقول" من وجهة نظري أرى أن القلق هو نوع من الغضب الخفيف". وهناك أيضاً "بور روزين" أستاذ علم النفس بجامعة بنسلفانيا، الذي يحذر" يجب علينا أن نكون حريصين وأن نميز بين الضيق والنفور"، وثالثهما هو " كليف وين" أستاذ علم النفس بجامعة فلوريدا، الذي يرى" أنه من الصعب التفرقة بين الغضب والإحباط". من الصحيح أن الضيق يتقاسم بعض السمات مع الغضب، والنفور، والإحباط. ولكن من الصحيح كذلك أن هناك نوعاً من التقاطع بينه وبين الاشمئزاز، والغيظ الشديد، بل وحتى السأم. وباختصار يمكن القول إن الضيق يضم عناصر مختلفة من مشاعر مختلفة، ولكنه لا ينتمي لأي منها بشكل حصري. وباعتبارنا من الصحفيين المتخصصين في العلوم، نرى أنه من المناسب أن ندلي بدلونا، وننظر فيما سبق من إجابات للعلماء كي نخرج ببراهين يمكن من خلالها أن نبين ما الذي يعنيه الضيق. بعد أن تحدثنا مع عدد كبير من الباحثين في عدد كبير من التخصصات التي تشمل (ولكنها لا تقتصر على) علم النفس، الفيزياء، الصوتيات، الكيمياء، علم الجينات، علم الأعصاب، خرجنا بتصور عام عن ما الذي يجعل شيئاً ما سبباً للإزعاج والضيق: أولاً: لكي يكون الشيء سبباً للضيق والإزعاج، لا بد أن يكون من النوع الذي لا يمكن التنبؤ به. وهذا هو تحديداً الشيء الذي يجعل المحادثات الهاتفية التي يجريها الآخرون بصوت مرتفع أمامنا مزعجة. فنحن نجد أنفسنا منجذبين لمتابعة المحادثة، ولكن المشكلة هي أننا نسمع جانباً واحداً من المحادثة، ولا نسمع ما يقوله الطرف الآخر، على الرغم من رغبتنا في معرفته. وعندما لا نتمكن من ذلك، فإن مستوى الضيق والانزعاج لدينا يرتفع. ثانياً، يجب أن يكون الشيء غير سار، وقائمة الأشياء غير السارة كبيرة للغاية وتضم في طياتها أشياء لا حصر لها، ولا يمكن تفسيرها: فالبعض يتضايق عندما يتقدم أحد كي يرفع شعره لاصقة بملابسة، والبعض الآخر يشعر بالامتنان لمن يفعل ذلك ولا يتردد في تقديم الشكر له. والبعض يتضايق عندما تقوم مذيعة تلفزيونية بحذف بعض مخارج الحروف أثناء قراءتها لشيء، في حين يجد آخرون أن ذلك يضفي على المذيعة جاذبية ما. ثالثا، إن تكون مدة الشيء المسبب للضيق غير مؤكدة. ففي حالة إجراء محادثة هاتفية مع صديق.. أنت تعرف متى تبدأ المحادثة، ولكن لست متأكداً متى تنتهي. وعدم التأكد هذا، مع وجود رغبة دفينة في انتهاء المحادثة سريعاً في نفس الوقت (أنت لا تستطيع ذلك بسبب رغبة الطرف الآخر على الخط في الاسترسال في الكلام وعدم رغبتك في إحراجه) وهذا كله يسبب لك شعوراً بالضيق. بعد أن عرفنا الأسباب التي تجعل الإنسان متضايقاً، قد يسعدنا أن نعرف أن العلماء قد توصلوا إلى أن السيطرة على الضيق تساعد على التخلص منه، بل وقد تساعد على التخلص من مصدر الضيق ذاته. فلنأخذ هنا تلك الحالة التي يصيبنا الضيق والانزعاج فيها بسبب صراخ طفل وليد في جوف الليل. فصوت الصراخ يدفعك دفعاً لعمل شيئاً كأن تقوم بتغيير حفاظات الطفل، إذ ربما تكون هي التي تسبب له الشعور بالالتهاب الذي يؤلمه ويدفعه للصراخ... أو ربما تقدم له حليب أطفال في زجاجة الرضاعة عله يسكت. فإنت هنا لم تكتف بموقف سلبي عندما شعرت بالضيق، وإنما سعيت للسيطرة على الضيق.. وهذه السيطرة ستؤدي حتماً إلى التخلص من الشعور بالضيق ومن مصدره كذلك أي من الأشياء التي كانت تجعل ذلك الرضيع يصرخ في جوف الليل. من دون هذا الموقف الإيجابي، فإن الشعور بالضيق يمكن أن يصبح أشد وطأة (تخيل كيف يكون شعورك إذا تركت هذا الطفل يصرخ دون أن تبادر إلى البحث عن السبب الذي يجعله يفعل ذلك). ولكن ماذا تفعل إذا لم يمكنك السيطرة على الضيق، ولم تتمكن بالتالي من السعي للتخلص منه؟ ماذا تفعل على سبيل المثال، إذا جلست بجانب شخص يقوم بطرقعة اللبان بصوت مرتفع. لن تستطيع أن تطلب منه التوقف بالطبع، بل وقد تخشى أن تطلب منه أن يتوقف عن ذلك، (خاصة إذا كان من مفتولي العضلات)... كما قد لا تستطيع مغادرة المكان، لأنه يجلس بجوارك في مترو مزدحم. عليك حين إذن التفكير أن هذا الشيء (طرقعة اللبان)، سوف يصلح لأن يكون مادة لحكاية مسلية تقصها على صديق أو لنادرة تلقيها أمام زوجتك في المساء، عندما تفكر بهذه الطريقة يمكنك أن تتخلص من الشعور بالضيق. جو باكلا وفلورا ليتشمان كاتبان أميركيان متخصصان في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي إنترناشيونال"