في الآونة الأخيرة برز ديفيد كاميرون باعتباره تجسيداً لواحد من أكثر التشبيهات إثارة للإعجاب، وهو التشبيه الذي يربط بين السياسي الذي يقوم بإجراء خفض في الميزانية، والقائد صاحب الضمير. وإذا ما جرى نقل برنامج كاميرون التقشفي إلى أميركا، فإنه سيجعل منه بحق "معبوداً" لجماهير حزب "حفلة الشاي" من دون منافس. والشيء الذي أنجزه الأميركيون الجادون في سياق خفض الميزانية هو إعداد مقترحات مفصلة لخفض الإنفاق في كل وزارة من الوزارات، بمعدل20 في المئة في المتوسط تقريباً خلال السنوات الأربع القادمة.ولم يكن من المتوقع، والحال هذا، أن يختار أي منهم إجراء تخفيضات في الوظائف الحكومية، والخدمات الاجتماعية، والنفقات العسكرية في آن واحد. ولكن كاميرون فعل ذلك، وهو تحديداً ما كان كفيلاً بأن يجعل منه شخصية أثيرة للمحافظين ولجماهير حركة "حفلة الشاي" بوجه خاص. وحدّة الأزمة المالية البريطانية لم تترك سوى بدائل قليلة أمام كل من يطمح في إجراء خفض للميزانية. مع ذلك رأينا سياسيين بريطانيين يختارون الأساليب الأقل إحساساً بالمسؤولية.. في حين خاض كاميرون حملته، وفاز في الانتخابات، ومارس الحكم، بناء على برنامج يقوم على الانضباط المالي. ولكن الكاميرونية لا تُعرَّف، مع ذلك، من خلال التقشف المالي وحده، وإنما من خلال عدة استثناءات بارزة لبرنامج التقشف. فقد حرص كاميرون على حماية بعض بنود الإنفاق من التخفيض، عندما أقام ما يطلق عليه البعض "سياجاً واقيّاً" من أجل حماية برامج الصحة والمساعدات الأجنبية من إجراء أي خفض عليها. وفي هذا السياق سيستضيف كاميرون و"بيل جيتس" مؤتمراً في لندن هذا الشهر للتشجيع على المساهمة في "الائتلاف العالمي للمصل واللقاح". وخلال هذا المؤتمر ستوسع بريطانيا التزاماتها فيما يتعلق بهذا الائتلاف، علماً بأن وزير التنمية الدولية البريطاني "أندرو ميتشيل" مارس ضغطاً على عدد من الحكومات الأجنبية من أجل إقناعها بعمل الشيء ذاته. والزيادة التي يقترحها كل من كاميرون و"جيتس" ستتيح إمكانية تطعيم ما لا يقل عن 250 مليون طفل في مختلف أنحاء العالم خلال السنوات الأربع التالية، وهو ما يمكن أن يساهم في إنقاذ حياة 4 ملايين شخص. وعندما طلبت من ميتشيل -في محادثة هاتفية- تفسير الزيادة في مخصصات المساعدات الأجنبية في الوقت الذي يتم فيه خفض باقي البنود كرر لي تقريباً الكلمات التي يستخدمها كاميرون: "نحن لن نقوم بتضبيط سجلاتنا المالية على حساب الناس الأكثر فقراً في العالم". وفي مؤتمر صحفي عقد مؤخراً أعرب رئيس الوزراء البريطاني عن غضبه من النقد الذي يوجه إليه بسبب إنفاقه على المساعدات الأجنبية حيث قال: "إنني أعرف أن اتخاذ القرارات الخاصة بالميزانية العامة من أصعب الأمور في الوطن، ولكن اقتطاع 0.7 في المئة من دخلنا القومي الإجمالي وتخصيصها للمساعدات الأجنبية لا يعتبر شيئاً كثيراً وخصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا ملايين الأرواح التي ننقذها من خلال ذلك". إن كاميرون من خلال هذه الروح يثبت لأوباما أنه ما يزال من الممكن وضع أولويات سياسية خلاقة حتى في زمن التقشف الاقتصادي. ولا شك أن إجراء مراجعات منهجية، وترتيب برامج المساعدة الأميركية بنفس الطريقة التي قام بها كاميرون، سيجعل من الصعب على الكونجرس رفض أي إنفاق تكون هناك حاجة إليه في المستقبل. وفي الانتخابات الأميركية القادمة، قد تنتاب "الجمهوريين" طموحات لإجراء خفض في الإنفاق كما هو دأبهم دائماً، ولكن مما لاشك فيه أنهم سيحتاجون إلى جانب ذلك إظهار نوع من القدرة على الحكم السليم على الأشياء، وقدر من الإنسانية التي تجعلنا جميعاً فخورين بكوننا بشراً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"