انتقل النقاش السياسي في أميركا هذه الأيام إلى الإنفاق الحكومي والديْن والصحة الاقتصادية للبلاد على المدى الطويل. وفي هذا السياق، ينظر الكثيرون إلى ميزانية الجيش كعنصر هام في أي مخطط لخفض العجز. غير أن البعض قام بتمديد هذا المنطق ليشمل الحرب في أفغانستان؛ حيث أخبر مقربون من إدارة أوباما الـ"واشنطن بوست" مؤخراً بأن الإنفاق قد ارتفع إلى مستوى عال جدا وأن الكلفة ستؤثر على قرار أوباما بشأن سرعة الشروع في سحب الجنود من أفغانستان الشهر المقبل. ويعزز موقفَ هذا الفريق خبراءٌ استراتيجيون أجانب يجادلون بأن إنفاق الكثير على أفغانستان البعيدة والفقيرة يجعل الأميركيين غير قادرين على الاستثمار في مجالات أخرى. وهذه في الواقع طريقة للنظر إلى حرب أفغانستان يمكن فهمها، لكنها غير صحيحة. ذلك أنه بغض النظر عن خيارات أوباما هذا الصيف، فإن الكلفة الإجمالية للحرب ستفوق نصف تريليون دولار. فالذين يفضلون سحباً أسرع للقوات يتحدثون عن توفير 15 في المئة من إجمالي الكلفة على أكثر تقدير، لكنهم سيعرّضون مستقبل الحرب للخطر، علماً بأن خسارة الحرب ستمنح "القاعدة" أكبر ملاذ لها، وهو أمر مرفوض حتى بعد موت بن لادن، كما سيوفر معاقل لـ"طالبان" باكستان و"عسكر طيبة". وإلى ذلك، فقد جرّبنا خوض هذه الحرب بكلفة منخفضة، بين 2002 و2005، وكانت النتيجة إعادة إحياء التمرد مجدداً. صحيح أن مسار الحرب كان صعباً للغاية؛ فالعديد من التقارير الإخبارية تركز على الهجمات الانتحارية أو فساد الحكومة؛ وحتى النجاح النسبي الذي يعرَّف بأنه حكومة أفغانية تستطيع السيطرة على أراضيها بدون مساعدة أجنبية كبيرة، ليس مضمونا. غير أن ثمة أدلة متزايدة على أن استراتيجيتنا العسكرية بدأت تنجح. صحيح أن الاستراتيجية فيها نقاط ضعف، وخاصة على الصعيد السياسي، حيث تجد واشنطن صعوبة كبيرة في تحفيز باكستان لملاحقة المتمردين على أراضيها، كما نفتقر لمخطط مناسب لدعم التنمية السياسية الأفغانية. غير أن الجهد العسكري أخذ يُظهر بعض النتائج. ففي الجنوب يعتبر 10 في المئة من الأفغان أن الطرق أضحت آمنة اليوم مقارنة مع عام مضى؛ حيث أخذ معظم المسؤولين الحكوميين يتنقلون عبر الطرق البرية بدلاً من مروحيات "الناتو". كما أن عدد المدارس المفتوحة في إقليم هلمند ارتفع بـ50 في المئة منذ أواخر 2009، ومساهمات الجيش والشرطة الأفغانيين في الحملات الأخيرة شكلت نصف مجموع القوات الضرورية، وإنتاج الخشخاش انخفض بالنصف. والمؤكد أن الحرب ليست رخيصة؛ فمصلحة البحوث التابعة للكونجرس تقدر التكاليف الأميركية منذ 2001 حتى هذا الصيف بحوالي 444 مليار دولار، ضمنها 25 مليار دولار لأجهزة الأمن الأفغانية و25 مليار دولار من جهود التنمية الاقتصادية. ولأن الاستراتيجية الحالية تشير إلى أن سنة أخرى ستتعدى 100 مليار دولار ككلفة إجمالية، فالمتوقع أن تصل تكاليف 2013 المالية 75 مليار دولار، وتكاليف 2014 حوالي 50 مليار دولار. على أن تكاليف سنوية أكثر تواضعاً خلال السنوات اللاحقة سترفع الكلفة الأميركية إلى أكثر من 700 مليار دولار، ما يجعلها تضاهي كلفة حربي كوريا والعراق. إنها أموال كثيرة بلا شك؛ لكنها لا تبدو فلكية إذا ما قورنت مع ديْن وطني يبلغ 14 تريليون دولار. بل تبدو أكثر عقلانية إذا قورنت بتكاليف الهزيمة متمثلة في سيطرة "طالبان" على جنوب أفغانستان وحولته إلى ملاذ لمجموعات إرهابية ترغب في ضرب مدن أميركية، والسيطرة على الترسانة النووية لباكستان، وإثارة حرب أخرى بين الهند وباكستان. وقياساً بالتكاليف المحتملة، يمكن القول إن كلفة الحفاظ على الاستراتيجية الحالية هي في حدود المعقول. إننا ملتزمون أصلا بإنفاق 444 مليار دولار؛ وبالتالي فلا توفير كبير ممكن هذا الصيف بغض النظر عن القرار الذي سيتخذه الرئيس في يوليو المقبل. ومما لا شك فيه أنه إذا كان فشل حرب ما حتمياً ولا مفر منه، فيتعين علينا بالطبع التركيز على الأشخاص والموارد التي يمكن توفيرها عبر إنهاء محاولة يائسة. غير أنه بعد عشر سنوات من التعلم استفاد خلالها الاستراتيجيون وصناع القرارات الأميركيون من أخطاء الماضي، يمكن القول إن حرب أفغانستان توجد اليوم على مسار أفضل بكثير. وإذا كان من المستبعد تحقيق نجاح باهر حالياً، فثمة بالمقابل نتيجة معقولة بالإمكان تحقيقها، ألا وهي الحيلولة دون تحول ذلك البلد إلى أخطر معقل للإرهابيين مرة أخرى إذا نحن تحلينا بالصبر خلال العامين المقبلين ونفذنا عملية سحب تدريجية للجنود. مايكل أوهانلون زميل مؤسسة بروكينجز متخصص في أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"