خلافاً لما يحذر منه البعض من أن الصين ستستبدل الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية أكد "أرتورو فالينزويلا"، مدير مكتب شؤون أميركا اللاتينية في وزارة الخارجية الأميركية المنتهية ولايته أنه ليس متوجساً من الاختراق الاقتصادي للصين في الجوار الأميركي، والسبب أن بلدان المنطقة بدأت تدرك أن مصلحتها الرئيسية تكمن في توسيع التجارة مع الولايات المتحدة. ففي حوار أجراه "فالينزويلا" الأسبوع الماضي، رد على بعض نقاط كنت أوردتها سابقاً عن فقدان أميركا لموطئ قدمها في أميركا اللاتينية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي لصالح الصين، وأنه يتعين على إدارة أوباما العمل على صياغة خطة طموحة للتعاون مع المنطقة تعيد تكريس التواجد الأميركي في محيطنا الإقليمي. وقد طرحت عدداً من الحقائق التي تدعم موقفي من بينها تراجع الصادرات الأميركية إلى أميركا اللاتينية من 55 في المئة من إجمالي واردتها في العام 2000 إلى 32 في المئة عام 2009 حسب أرقام تابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى ذلك انحسر حجم الاستثمارات الأميركية وفقاً لنفس المصدر في المنطقة خلال الفترة ذاتها، هذا في الوقت الذي دخلت فيه الصين على الخط لتصبح الشريك التجاري الأول لبعض بلدان أميركا الجنوبية، وبدأت تبرز كأول مستثمر في المنطقة، لكن "فالينزويلا" الذي يستعد لمغادرة منصبه والعودة إلى الجامعة خلال الصيف الجاري، أكد أن أرقام التجارة والاستثمار الصيني في أميركا اللاتينية لا تقدم صورة حقيقية لما يجري ولا تعكس حسابات الربح والخسارة الفعلية. فقد بدأت دول أميركا اللاتينية تدرك رغم تسابق الصين على شراء المواد الأولية التي تنتجها أميركا اللاتينية أنها ترفض شراء منتجات مصنعة ذات قيمة مضافة عالية، وفي المقابل تشتري الولايات المتحدة مزيداً من البضائع المصنعة من أميركا اللاتينية وهو ما يصب مباشرة في مصلحة بلدان المنطقة، ويقول موضحاً "يجد الأرجنتينيون أنفسهم في موقف صعب فهم ينتجون الصويا المصنعة، لكن المستورد الصيني لا يريدها ويطلب فقط الصويا الخام لأن همهم الوحيد في الصين هو إيجاد وظائف لمواطنيهم، لذا يفضلون شراءها خاماً وتصنيعها في مصانعهم ليستفيدوا هم من القيمة المضافة"، وبالعكس من ذلك لا تنظر الولايات المتحدة لبلدان أميركا اللاتينية على أنها مجرد مصدر للمواد الخام، أو وجهة للصادرات الأميركية، بل أيضاً المكان الذي تستطيع فيه الشركات من الطرفين معاً تبادل المنتوجات وإمداد بعضها البعض بما تحتاجه من قطع غيار وخبرات وغيرها لتصبح أكثر تنافسية على الساحة الدولية. وفي هذا السياق أورد "فالينزويلا" مثال المكسيك التي تشكل فيها البضائع المصنعة التي تنتجها الشركات المكسيكية 80 في المئة من صادرتها إلى الولايات المتحدة، وهي تعتمد أساساً على التبادل بين الشركات حيث تورد المكسيك مرايا السيارات وأجزاء من أجهزة الكمبيوتر، هذا في الوقت الذي تورد فيه شركة "إبراير" البرازيلية أغلب الطائرات التي تصنعها إلى الولايات المتحدة في مقابل استخدام الشركة البرازيلية للتكنولوجيا الأميركية، هذه الحقائق دفعتني لتوجيه السؤال التالي: إذن لا يوجد مصدر للخوف من الأموال التي تجنيها الصين من تجارتها مع أميركا اللاتينية؟ "لا ليس هناك موجب للخوف" رد "فالينزويلا" مضيفاً "أعتقد أنه من المهم لأميركا اللاتينية العثور في الصين على مكان لتصدير موادها الخام، لكن إذا اقتصرت دول أميركا اللاتينية على تصدير المواد الخام كمورد لدعم الاقتصاد فإنها سترجع الوراء بدل التقدم إلى الأمام"، مؤكداً أنه من الأفضل لأميركا اللاتينية تعزيز التجارة مع الولايات المتحدة "لأنها بذلك تطور تكنولوجيتها التي ستفيدها في المستقبل، وما لم تغير الصين نموذجها في التجارة وتبدأ في شراء البضائع المصنعة ذات القيمة المضافة العالية ستبقى أميركا اللاتينية هي الخاسرة في هذه المعادلة". وعندما سألت "فالينزويلا" عن فشل إدارة أوباما في صياغة خطة إقليمية لإنعاش العلاقات الأميركية مع جيرانها في الجنوب حتى لو ظلت تلك العلاقات دون مستوى مبادرات سابقة مثل "تحالف التقدم" في الستينيات وخطة إنشاء منطقة للتجارة الحرة التي أقيمت مؤخرًا أجاب "فالينزويلا" أن أوباما دخل في شراكات ثنائية مع بعض قادة المنطقة مثل البرازيل والتشيلي والسلفادور خلال زيارته الأخيرة. ومهما يكن الأمر، يبقى رأي الشخصي أن "فالينزويلا" على حق فيما ذهب إليه من أن واشنطن تمنح أميركا اللاتينية نموذجاً تجارياً أكثر نفعاً وجاذبية مقارنة بما تطرحه الصين التي تركز فقط على المواد الخام، فحسب أرقام الأمم المتحدة 60 في المئة مما تشتريه الولايات المتحدة من أميركا اللاتينية، هو من البضائع المصنعة، بينما لا يتعدى ذلك الرقم 20 في المئة بالنسبة للصين، ومع ذلك لا تبرير لإدارة أوباما في عدم طرح خطة طموحة لتعميق التعاون مع المنطقة. فحتى في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها أميركا مازال بإمكانها تقديم مساعدة كبيرة في المجالات التي تتفوق فيها وهي العلوم والتكنولوجيا، وفي هذا السياق يمكنها تقديم تحفيزات للشركات الأميركية لإقامة مراكز للبحث العلمي في أميركا اللاتينية، لا سيما وأنها لا تستقطب سوى 3 في المئة من الاستثمارات العالمية الموجهة إلى البحث العلمي والتطوير. ------- أندريه أوبنهايمر كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"