طبقاً لما ورد في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بالطبعة الإنجليزية في 2 يونيو الجاري، شهدت مدينة القدس الأسبوع الماضي مظاهرة شارك فيها نشطاء يمينيون يهتفون "الموت لليساريين"، "اذبحوا العرب". جاءت المظاهرة في إطار الاحتفالات الإسرائيلية بما يسمى "يوم القدس" والذي يجتذب آلاف اليهود لإحياء ذكرى سقوط القدس الشرقية في أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرب يونيو 1967. وإذا كان مفهوماً أن ثقافة التوسع والعدوان التي يربي عليها النشء الإسرائيلي المسؤولة عن الهتافات التي رددها الشبان "اليمينيون" ضد العرب والإسلام ونبيه الكريم، فإن السؤال الذي يثور في الذهن يتعلق بمناسبة الهتاف بالموت لليسار الإسرائيلي. من الواضح لنا جميعاً أن هذه الفترة تتميز في إسرائيل برضا غالبية الجماهير اليهودية عن سياسات "اليمين" الإسرائيلي الحاكم بقيادة نتنياهو التي أغلقت الطريق أمام حل الدولة الفلسطينية، وفتحت الباب على اتساعه أمام أطماع التوسع وضم الأرض المحتلة.. إعلاءً لشعار "أرض إسرائيل الكبرى". وهي أيضاً فترة استطاع فيها نتنياهو من خلال تحالفه مع منظمة "آيباك" في واشنطن أن يوجه هزيمة قاسية لزعيمة المعارضة "تسيبي"، التي دأبت على تحذير الإسرائيليين من أن سياسات نتنياهو ستؤدي إلى تهديد العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة. فلقد حصد نتنياهو تأييد الكونجرس لسياساته وحدث عكس ما تقوله ليفني. إذن، يبدو غريباً في هذه الأجواء المريحة لـ"اليمين" أن يشعر الناشطون فيه بالقلق من "اليسار" إن البحث يرشدنا إلى موقفين صدرا أخيراً بعد عودة نتنياهو من واشنطن، قام بأحدهما عشرون من الشخصيات "اليسارية" البارزة، وقام بالثاني الجنرال ميئير داجان رئيس جهاز "الموساد" السابق، الذي ترك منصبه منذ وقت قصير. في الموقفين رأى "اليمين" الإسرائيلي تهديداً لأطماع التوسع، ذلك أن العشرين شخصية قد وقعوا على عريضة اقترحتها حركة التضامن مع حي الشيخ جراح في القدس المحتلة. وهي عريضة تدعو رؤساء دول أوروبا إلى الوقوف إلى جانب المسعى الفلسطيني الهادف للحصول على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. منطق العريضة يهدد إذن سياسات نتنياهو و"اليمين" التي تحاول سد الطرق على السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة، بل وتزيد العريضة على ذلك القول إن إعلان الدولة الفلسطينية يصب في مصلحة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. من هنا يستحق "اليساريون" الموقعون على العريضة الهتاف بالموت من أمثال ابراهام بورج رئيس الكنيست السابق عن حزب "العمل" وآخرين. لقد أوضح هؤلاء اليساريون أنهم سيعلنون تأييدهم للدولة الفلسطينية المؤسسة على حدود 1967 مع تبادل الأراضي بنسبة متساوية فور الإعلان عنها. أما "داجان" رئيس الموساد فقد أعلن في اجتماع جماهيري في تل أبيب أنه كان يجب على إسرائيل أن تقول نعم لمبادرة السلام السعودية، وبالتالي اعتبره "اليمين" موالياً لوجهات نظر "اليسار". في تقديري أن هذه التحركات والمواقف "اليسارية" على أهميتها من حيث المبدأ، لن تؤثر كثيراً في سياسات "اليمين" وشعبيته لغلبة التيار "اليميني"، ومع ذلك فإن الهتافات بالموت ضد "اليسار"، تأتي لإرهاب أصحاب هذه المواقف لكي يسحبوا مواقفهم أو يلزموا الصمت.