في منتصف القرن الرابع عشر، وبينما كانت اللغة والثقافة التركية الغربية قيد التطور، عبر العثمانيين مضايق الدردنيل وبحر مرمرة إلى أوروبا. ومنذ عام 1365 أقام مراد الأول عاصمته في مدينة "أدرنة"، على البر الأوروبي، ثم اتخذ بعد ذلك بقليل لقب السلطان. أما القسطنطينية، التي تطورت فيها الآداب العثمانية الكلاسيكية فيما بعد، فقد حوصرت أكثر من مرة، قبل أن يجري فتحها في عام 1453، على يد محمد الثاني الفاتح. وقد احتل العثمانيون تدريجياً كل البلقان، ثم امتدت الامبراطورية حتى المجر في أوروبا، وضمت فيما بعد عدة دول في آسيا وأفريقيا مثل العراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس وشمال الجزائر. ومع إقامة بلاط السلاطين بعد الفتح في القسطنطينية، التي أصبحت تسمى اسطنبول، اتخذت الحياة الثقافية العثمانية بعداً جديداً، حيث كان السلطان محمد الفاتح نفسه مثقفاً وشاعراً، وعلى دراية جيدة بالعربية والفارسية. وأدت جملة من الإجراءات والخطوات التي أمر بها كإصلاح المدارس والكليات واستدعاء العلماء وتشجيع مختلف المعارف وترجمة الكتب اليونانية، إلى انتعاش الثقافة والفنون والآداب وبروز العديد من الشعراء والأدباء والدارسين، وابتداء ما يمكن تسميته بعصر الأدب العثماني الكلاسيكي، والذي يمتد عادة إلى عام 1850، نحو أربعة قرون. ولا يمكن بالطبع تلخيص ما جرى في هذه القرون، أو حتى استعراض أسماء الأدباء، بل سنحاول الإشارة إلى بعض أبرز الأسماء من مصادر ومراجع مختلفة. وأول من يُشار إليه من الشعراء "أحمد باشا"، أحد رجال الحاشية المقربين من محمد الثاني، وقد سار على نهج الشاعر الفارسي حافظ وغيره، وامتدح ببلاغيات طنانة السلاطين محمد الفاتح وبايزيد الثاني، وكان له دور مهم من حيث كونه مجدداً لشعر البلاط العثماني، ومدشناً لعصر أدبي كامل. وكان محمود أفندي باقي (1526-1600)، الذي جاء بعده بقرن في عهد سليمان القانوني الأكثر تألقاً، ونال لقب "سلطان الشعراء". كان باقي ابن مؤذن من عائلة فقيرة في اسطنبول، شق طريقه في الحياة العامة، وصار قاضياً في مدن مثل أضنا ومكة و المدينة، ثم تولى القضاء في العاصمة العثمانية نفسها. ورغم مهنته الدينية، كانت قصائده الغنائية مصدر شهرته. ويقول لوي بازان "إن هذا المتفقه في الدين كان أيضاً رجلاً دنيوياً، يجيد المزاح، وكان ينتمي إلى حلقة عشاق جمال الثقافة العربية - الفارسية الرفيعة.. ومن شأن موسيقية أشعاره أن تصل إلى مستوى النبرات المهيبة لسيمفونية، كما يتجلى ذلك في مرثيته الشهيرة لسليمان القانوني". (تاريخ الدولة العثمانية، ج 2، روبير مانتران، ص 445). ومن كبار شعراء العصر العثماني محمد فضولي (1494-1555) الذي كان أشعر شعراء عصر "سليمان القانوني". وُلد فضولي في مدينة الحلة بالعراق، على الحدود بين الثقافة العربية والفارسية. وكان يتقن ثلاث لغات هي العربية والفارسية والتركية، وترك آثاراً أدبية باللغات الثلاث، كما عاش سنوات طويلة في بغداد في فترة تناوبت عليها السلطة العثمانية والصفوية. وعندما وقعت المدينة بيد السلطان سليمان، وكان الشاعر فضولي قد امتدحه في إحدى قصائده، ارتفعت مكانته وازداد ثراؤه إلى أن توفي بالطاعون، ودفن بمدينة كربلاًء. كان "فضولي" شيعي المذهب، وكان قد أهدى أعماله الأولى للشاه إسماعيل الصفوي، وكان ينتمي إلى قبيلة البياتيين التركمانية، غير أن أشعاره كانت مفهومة في كل تركيا، ولا تزال عدة دول وثقافات فارسية وتركية وعربية تتنازع عليه بوصفه أحد أبطال تراثها الشعري، رغم أنه لم يسمح له أبداً بدخول بلاط اسطنبول إلى أن توفي، ولم يكن من شأن مجده إلا أن يزداد بعد موته. ويعدد الباحث الإيراني "يعقوب آزند"، في كتابه "أدبيات نوين تركية"، من بين أثاره ديوانه الشعري الآذري الذي يتضمن أشعاره في الغزل والتصوف والعرفان، ولهذا فإن مكانة الشاعر فضولي في الأدب التركي نفس مكانة الشاعر حافظ في الأدب الفارسي. وللشاعر فضولي، إلى جانب هذا العمل، ديوان شعر بالفارسية، وله عمل منظوم عن قصة "ليلى والمجنون" الشبيهة بمأساة "روميو وجولييت"، إلا أن الشاعر فضولي وفق في مزج القصة بروحية صوفية متميزة. ومن شعراء هذا العصر الشاعر "عمر نفعي أفندي"، المتوفي عام 1635، وقد ولد في أرضروم في عائلة ميسورة، فأتيحت له تربية رفيعة وجاء إلى اسنطبول في زمن السلطان أحمد الأول، حيث عمل في مشاغل حكومية، وكتب قصائد مدح في السلطان ورجال الدول ضاعفت من شهرته في اسطنبول وزادت من ثروته. ولكنه انهمك كذلك في قصائد هجائية ساخرة، حذره السلطان نفسه من عواقبه دون جدوى، فكان أن تعرض لمكيدة من قبل بعض من هجاهم، فتم خنقه ورميت جثته في البحر. ومن الشعراء العثمانيين "شيخي"، المتوفي عام 1431، والذي يعد من مؤسسي القالب الشعري المثنوي في الأدبيات العثمانية. ومن الشعراء كذلك "يازجي أوغلي محمد" المتوفي عام 1452، صاحب المنظومة المحمدية في التاريخ الإسلامي وقصص الأنبياء والسيرة النبوية والخلفاء الراشدين وأوصاف الجنة والجحيم. وقد كتب الكتاب أصلاً باللغة العربية ثم ترجمه فيما بعد إلى التركية، وهو زاخر بالاقتباسات العربية والنصوص الدينية المعقدة. ومن المدارس الشعرية التي أثرت في الشعر العثماني المدرسة الهندية المسماة "سبك هندي"، فقد تعايشت في هذه المرحلة ولعدة قرون ثلاث دول إسلامية كبرى هي الهند وإيران وتركيا. وكان الشعراء في هذه الدول الثلاث يكتبون الشعر بالفارسية. وقد ازدهرت في البلاط الهندي مدرسة متميزة في النظم كان لها تأثيرها في الدول الثلاث. وكان الشاعر العثماني "نفعي" أقوى ممثليها في القرن السابع عشر، وقد توفي عام 1635. وعرف الأدب العثماني في هذا العصر صنفين آخرين من صنوف النظم الشعري وهما الشعر الصوفي "تكه"، الذي كان ينظمه شعراء ومؤسسو الطرق الصوفية للترويج لأنفسهم في الأوساط الشعبية وكسب الأعضاء، والثاني هو أشعار الحب الشعبية الفولكلورية. ومن أشهر الشعراء العثمانيين الذين نجحوا في الجمع بين الشعر الكلاسيكي والصوفي والشعبي "يونس عمره" المتوفي عام 1320، قبل فتح القسطنطينية بفترة طويلة. وقد أضاف شعراء آخرون أبياتاً كثيرة إلى شعره، بل تسموا "يونس".. باسمه! وظلت أشعاره موضع إعجاب وتقدير الأتراك جيلاً بعد جيل، كما ألهمت الكثير من الشعراء الشباب في بداية القرن العشرين. ومن المعروف أن النثر التركي لم يتأثر تأثر النظم بالأدب الفارسي، ومن أبرز مجالات النثر العثماني بلا شك، الكتابة التاريخية. ففي القرن الخامس عشر والسادس عشر ظهرت كتابات في الاتجاه الأسطوري الشعبي، تعبر عن روايات الفروسية الإسلامية، والتي تُبرز مقاتلين جسورين من أجل الإسلام، مثل "البطل الغازي" و"ملك دانشمند" و"أبومسلم"، وكذلك بعض قصص الدراويش وكراماتهم. وكانت البداية الحقيقية للكتابة التاريخية العثمانية بعد الاستيلاء على القسطنطينية. ويقول كتاب تاريخ الدولة العثمانية إن "الحوليات التركية المكتوبة آنذاك تعبر عن كتابة تاريخية رسمية، فهي تكتب بناء على طلب السلاطين بهدف تمجيد مآثرهم ومآثر أسلافهم. وهذا التاريخ الرسمي بعيداً عن التعبير عن الحقيقة الدقيقة، خاصة فيما يتعلق بسير الأحداث في ظل العثمانيين الأوائل". ومن التراث العثماني الذي تتحتم الإشارة إليه حكايات جحا، أو "خوجة نصر الدين"، إمام قرية في الأناضول في القرن الثالث عشر، وكذلك شخصية "قرة - جوز" (الأراجوز" بطل مسرح الخيال، الذي ربما تم استيراد تقنيته من مصر عند فتحها عام 1517، والذي يجسد رجل الشعب الساخر.