جاءت الهجمات الأخيرة التي استهدفت قاعدة بحرية باكستانية شديدة التحصين على يد مقاتلين تابعين لـ"طالبان باكستان" بعد فترة قصيرة على مقتل زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، لتقلي الضوء مجدداً على مدى الخطورة التي وصلت إليها آفة الإرهاب في باكستان والإشكالات المرتبطة بها سواء في العلاقة مع الهند، أو تأمين الترسانة النووية الباكستانية. فقبل عدة سنوات لم يكن ليتخيل أحد أن تتعرض أهداف عسكرية في باكستان إلى هجمات إرهابية، ولم يكن ممكناً تصور سماح المؤسسة العسكرية بوقوع مثل هذه الحوادث. لكن يبدو أن مجموعات الإرهاب باتت أكثر قوة لتصل بها الجرأة إلى دخول عرين الأسد واستهداف المواقع التي يُفترض أنها الأكثر حراسة في البلاد، ولا بد من الإشارة إلى أن الهجمات التي أقلقت العالم، حدثت بعد ثلاث أسابيع فقط من مقتل بن لادن على يد قوات أميركية خاصة في بلدة "آبوت أباد" القريبة من العاصمة، بحيث أعلنت "طالبان "باكستان مسؤوليتها عن الهجوم، معتبرة أنه رد فعل طبيعي على اغتيال زعيم "القاعدة" الذي يدينون له بالولاء، وهو ما يؤشر على القدرات المتنامية للحركات الإرهابية التي غدت قادرة على استهداف مواقع استراتيجية وحساسة في العمق الباكستاني دون أن تُواجه بمقاومة حقيقية، فضرب قاعدة "مهران" البحرية ليس بالأمر السهل ليحيلنا ذلك على تمكن التنظيم الإرهابي ليس فقط في التخطيط للعملية، بل في تنفيذها بطريقة سريعة رغم الوقت الضيق نسبياً للتخطيط إذا افترضنا أنه بدأ بعد مقتل بن لادن الذي لم يمضِ على مصرعه سوى أسابيع قليلة. وبالنظر إلى المكانة التي يتمتع بها الجيش الباكستاني باعتباره المؤسسة الأقوى في البلاد، فإن التجرؤ عليه واستهداف مقاره يشي بأن المتطرفين لم يعد يتورعوا عن ضرب أياً كان بما في ذلك الجيش نفسه. وليس خافياً على أحد أن الجيش الباكستاني يضم بينه عناصر قد تكون متعاطفة مع "طالبان" ليس فقط من الناحية الأيديولوجية، بل في بعض الأحيان يتحول التعاطف إلى دعم تستفيد منه عناصر معادية للهند والغرب، لذا كان مفهوماً السرية التي أحاط بها الأميركيون عمليتهم التي انتهت بمقتل بن لادن وإخفائهم لتفاصيل العملية وتوقيتها حتى فوجئت بها باكستان نفسها، خوفاً من تسرب معلومات عن العملية إلى المستهدفين وإفشالها في المهد، وذلك رغم التحالف القائم بين الولايات المتحدة وباكستان، وتعاونهما في مجال محاربة الإرهاب وضمان الاستقرار في أفغانستان. ومن الجوانب الأخرى المقلقة بشأن الإرهاب في باكستان هو تلك العلاقة المزعجة بين عناصر من المخابرات العسكرية الباكستانية، وعدد من الجماعات المسلحة التي نفذت عمليات في الهند. وقد كشف في هذا الإطار "تهور حسين رانا"، الذي يحاكم في أميركا بتهم التآمر لتنفيذ هجمات مومباي الإرهابية التي خلفت أكثر من 166 قتيلاً من المدنيين الأبرياء، صلة بين تنظيم "عسكر طيبة" والاستخبارات العسكرية الباكستانية، وقد أكد هذه المزاعم شاهد آخر يُحاكم في أميركا بتهمة التورط في المؤامرة وهو "ديفيد كولمان هادلي"، الذي أخبر المحققين تلقيه الدعم والتدريب على التجسس من قبل بعض الأجهزة في باكستان. وقد تبين أن "هادلي" الذي اعتُقل في الولايات المتحدة كان دائم الاتصال بمؤسس "جماعة الدعوة" المدعو "حافظ محمد سعيد"، وبما أنه كان يحمل جواز سفر أميركياً، فقد كلف بدخول الهند كسائح وتصوير المواقع التي سيتم استهدافها في عملية مومباي، بما فيها فندق "تاج"، هذه المعلومات لم تفاجئ الهند، لذا المطلوب اليوم من باكستان هو تعقب الهياكل الأساسية للإرهاب، وليس ضرباً انتقائياً لبعض الجهات. وحتى الولايات المتحدة، دعت إسلام آباد إلى توسيع استهدفها للإرهاب ليشمل التنظيمات المتطرفة في أفغانستان، والتي على رأسها "طالبان"، لاسيما في ظل تنامي العمليات الإرهابية التي تقوم بها العناصر المتشددة في باكستان خلال الآونة الأخيرة. فبالإضافة إلى الهجوم الذي استهدف القاعدة البحرية قتل خلال هذا الشهر لوحده اثنين من عناصر الأمن بإحدى نقاط التفتيش بمدينة بيشاور، هذا في الوقت الذي قضى به ثمانين شخصاً في عملية انتحارية مزدوجة. ورغم الهجمات المتفرقة التي تشنها القوات الباكستانية على بعض المناطق التي تأوي الإرهابيين في شمالي غرب البلاد يبقى الأهم من ذلك تفكيك البنية التحتية للإرهاب التي تعتبر الطريقة الوحيدة لاحتواء خطره ومنع انتشاره. ورغم تأكيد المسؤولين الباكستانيين أنهم وجهوا عناصر الأمن بعدم التسامح مع الإرهابيين وتعقبهم أينما كانوا، فإن السؤال الحقيقي هو مدى سلامة المواقع النووية الباكستانية وحصانتها ضد الاستهداف، فإذا نجحت "طالبان" في اختراق قاعدة بحرية شديدة التحصين وعاثت فيها تدميراً، ألا يمكنها الوصول إلى منشآت نووية والعبث بها؟ هذا السيناريو المخيف بدأ يقلق العالم ويثير مخاوفه. وفي هذا السياق يثور نقاش لدى بعض الأطراف الأميركية حول ما إذا كان من الأفضل إقناع باكستان بالتخلي عن السلاح النووي، وهو احتمال مستبعد بالنظر إلى توجس باكستان من الهند وعدم رغبتها في فقدان أسلحتها النووية، بينما تواصل الهند احتفاظها بترسانتها الخاصة حتى لو كان الوضع الأمني في الهند أكثر استقراراً مقارنة بجارتها الشمالية التي تعيش تحت وقع الهجمات الإرهابية المستمرة. د.ذِكْرُ الرحمن رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي