ألقى نتنياهو كل الثقل عن كاهله على العالم العربي الذي أُضيف إليه واجب جديد، ألا وهو "الكف عن لوم إسرائيل على ما يحدث فيه". على رغم أن ما يحدث من حراك في بعض أجزاء من العالم العربي منذ البدء وحتى اللحظة لم يرد فيه لإسرائيل ذِكر على لسان المشاركين بتحريك الأوضاع في مجتمعاتهم. ولقد اتخذ كذلك هذا الوضع حجة واهية لكي يصر على مقولته بأن المشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط ليست إسرائيل وإنما انعدام "الحرية". وبهذه السذاجة اعتبرت إسرائيل نفسها كبش فداء في المنطقة وليس محتلاً رابضاً على صدر الشعب الفلسطيني بعد طرده وسرقة بلده بقوة السلاح وبقتل المنطق في استعمار الشعوب. والحال أن إسرائيل تمادت كثيراً واستمرأت في استخدام سياسة القوة لأن قوتها السياسية ضعيفة أمام الحجج الداحضة لكل مبرراتها اللامتناهية في الوهن. فهي وما تريد، ولكن الآخر الذي يصارع من أجل بناء دولة فلسطينية قابلة للتعايش وليس للتحارب مع دولة يهودية تصرخ على مدار أكثر من ستة عقود بأنها مستهدفة في أمنها واستقرارها، وكل ما كان يحدث لها طوال تلك الفترة لا يتجاوز حد المناوشات والتحرشات إذا ما قيس ذلك بما قامت به إسرائيل من عمليات فاقت مقاييس جرائم الحرب بما تحمل من مآس وأهوال تتم حتى اليوم مداواة جراحها المدمرة. وحتى الحدود المتفق عليها دوليّاً لعام 1967 بدى التنصل منها واضحاً في الحديث الأخير لرئيس وزراء إسرائيل أمام "الآيباك"، والشماعة المعلقة دائماً في رقبة إسرائيل التي لم تمس بسوء هي موقف بلاده بأن العودة إلى حدود عام 1967 غير مقبولة لأنها تترك إسرائيل بدون غطاء أمني. وفي لحظات يتحول نتنياهو إلى حمل وديع ويعلن أن إسرائيل مستعدة لقبول الحلول الوسط، مع وضع "لكن" من أجل الدفع بالعراقيل أمام هذه الحلول الوهمية بقوله: ولكن لا يمكن التوصل إلى سلام اعتماداً على "أوهام". لأن إسرائيل تريد "سلاماً حقيقيّاً"، ترى متى، وكيف؟ فالإجابة على ذلك، تتطلب أولاً التخلص من نظرية "الأوهام" المعشعشة في عقول الساسة الإسرائيليين المهووسين بأن أمنهم هو من يقرر إعلان الدولة الفلسطينية ولو تم ذلك في أروقة الأمم المتحدة كما هو مؤقت له في سبتمبر القادم. ولكن حتى يحين ذلك الموعد تبذل إسرائيل كافة جهودها الدبلوماسية لضمان عدم التوصل إلى ذلك الحل الذي اضطرت إليه السلطة الفلسطينية بعدما تصالحت مع خصمها في غزة من أجل الدفع بمشروع الدولة نحو آفاق التحقيق على الأرض تحت أعين العالم المتقدم، الذي يطالب دائماً الشعوب بنيل حرياتها من نير الاستعمار. وبما أن لكل قاعدة استثناءات خاصة، فيبدو أن الشعب الفلسطيني يراد له أن يسقط في قاع هذا الاستثناء من نيل الحق في إقامة دولة مستقلة تعيد إليه حيويته وتحقق له تطلعاته التي طال عليها الأمد لعقود حسبت كالدهور، إلا أن ما يشفع له هو أن منطق الحق هو الغلاب وإن سعت إسرائيل ومن معها لبوس الباطل، فشمس فلسطين لا يحجبها غربال الأباطيل.