تعد مسألتا تداعيات الانتخابات البرلمانية العراقية ربيع العام الماضي، وقرب موعد الانسحاب الأميركي من العراق نهاية العام الحالي، من القضايا الأساسية ضمن استحقاقات جيوستراتيجية واقتصادية يتوقع أن تكون ذات تأثير ملموس على مستقبل العراق والمنطقة. فهل ينبئ الواقع الراهن بما سيسفر عنه المستقبل بالنسبة للعراق؟ ذلك ما يحاول توضيحه كتاب "العراق... تداعيات ما بعد الانتخابات البرلمانية وقرب الانسحاب الأميركي"، والذي نعرضه هنا لمؤلفه الدكتور أحمد شكارة، الباحث المختص في قضايا السياسة والأمن في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. يقول المؤلف بداية إن مستقبل العراق يعتمد على كيفية التعامل مع العملية السياسية الراهنة والتي جاءت نتيجة طبيعية للاحتلال وإفرازاته، فخلقت أجواء من عدم اليقين في مضامينها، وأوجدت تداعيات سلبية في الشأنين الداخلي والخارجي. وعلاوة على أن النتائج النهائية للانتخابات لم تفرز كتلة برلمانية قوية، فإن المسألة العراقية لم تعد مرهونة برغبات المشاركين الداخليين فحسب، وإنما لدول الإقليم أيضاً أدوار مهمة في ترسيم الخريطة السياسية الجديدة، كما أن لعبة الاحتلال الأميركي تواصلت في ظل التعثر الذي عرفه ميلاد حكومة جديدة تستطيع توفير الأمن والنظام والاستقرار، لتسهيل الانسحاب العسكري من جهة، ولتأمين مصالح واشنطن في العرق والمنطقة من جهة أخرى. وفي معرض مناقشته "علاقة الانتخابات بمستقبل العملية الديمقراطية"، يلاحظ المؤلف وجود مؤشرات على حالة "النضج الديمقراطي"، إلى جانب "مخاوف على مستقبل البلاد"، كما يقدم "لمحة عن المشهد الراهن"، ويلقي "نظرة جدلية فاحصة على حظوظ الفائزين في تشكيل الحكومة الجديدة"... ليؤكد على أن أي سلطة سياسية وطنية حقيقية يفترض أن تتصدى بصرامة لكل التنظيمات المسلحة والميليشيات الموازية لسلطان الدولة. وبالنسبة للموقف الأميركي من الانتخابات وتداعياتها، يرى المؤلف أن الاستتباب الأمني يأتي في مقدمة اهتمامات الاستراتيجية الأميركية، وبخاصة في ظل الالتزام بعملية الانسحاب العسكري الأميركي من العراق. ولإنجاح هذه الاستراتيجية يفترض أن تشارك عدة قوى في منهاج تضامني يمثل جهود الحكومة العراقية، وقوى التحالف، والدول المتعاونة في الإقليم، والأمم المتحدة. لكن الأوضاع في العراق، يقول المؤلف، لم تصل بعد إلى مرحلة مقبولة من استتباب الأمن، كما أن عدداً من معايير وشروط الاستراتيجية الأميركية، لم يستجب لمعطيات النضج السياسي العراقي. لذلك فإن إمكانية تجديد البقاء العسكري الأميركي ستكون واردة بصورة استثنائية عند الأزمات، وفي حال طلبت الحكومة العراقية ذلك. فالولايات المتحدة لم تكن بعيدة عن مشهد تشكيل الائتلافات الحكومية الجديدة، فهي صاحبة مصلحة حيوية فيما يجري. لذا يقول المؤلف إن التعجيل أو عدمه بالخروج العسكري الأميركي من العراق سيتم وفقاً لمدى نجاح الحكومة العراقية في ضبط الأمن وتحقيق المصالح الوطنية، وتوفير المصالح الأميركية الحيوية، لاسيما أن إدارة أوباما باتت تنظر إلى المنطقة من خلال بعد جيوسياسي يجمع في الاهتمام بين الشرق الأوسط والخليج العربي. وعن "علاقة البعدين الجيوسياسي والجيوستراتيجي بالعملية الديمقراطية"، يعتقد المؤلف أن الرؤية السياسية لـ"العراق الجديد" يتعين أن تجمع بين ذينك البعدين معاً، وهي رؤية أساسها أن العراق هو وطن الجميع في سيادة واحدة شاملة، بعيداً عن كافة التقسيمات. ومن هنا أيضاً يؤكد المؤلف على "الحاجة الماسة لدولة مؤسسات وطنية تتمتع بالكفاءة". وفي معرض مناقشته حول "الفيدرالية بين الوحدة والتقسيم"، يلاحظ الدكتور شكارة أن تطبيقات الفيدرالية في العراق لم تنجح إلى الآن، باستثناء نسبي في المناطق الشمالية، حيث استطاع الأكراد إيجاد صيغة ملائمة نسبياً تتواءم ومصالح قياداتهم. لكن المفترض ألا تقوم الفيدرالية على أسس عرقية أو قومية، بل وفقاً لمطالب واحتياجات سكان الأقاليم المعنية. ومن ذلك يخلص المؤلف إلى أن اختلال التوازنات الداخلية العراقية يفسح المجال لإمكانية تدخل أطراف متعددة خارجية، إقليمية ودولية، هدفها استقطاب شرائح معينة من السكان ولأسباب متنوعة. وتبقى النتيجة النهائية اختلال المعادلة الإقليمية المناسبة للتوازن الاستراتيجي لغير صالح أبناء المنطقة من العرب. محمد ولد المنى الكتاب: العراق... تداعيات ما بعد الانتخابات البرلمانية وقرب الانسحاب الأميركي المؤلف: د. أحمد شكارة الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2011