"لورانس بنتاك" عميد كلية "مارو" للاتصال الجماهيري بجامعة "واشنطن ستيت"، والمدير السابق لمركز "كمال أدهم" للصحافة والأبحاث بالجامعة الأميركية بالقاهرة، والمراسل الصحفي السابق المخضرم المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، يستكشف في كتابه المعنون "الصحفي العربي الجديد: المهمة، الهوية في زمن الاضطراب" رؤية الصحفي العربي المعاصر لطبيعة مهمته، كمشارك في صنع الأحداث، وكذلك طبيعة الدور الذي يقوم به الصحفيون المحترفون في توثيق والمشاركة في إحداث التغيير في مجتمعاتهم. ويرى المؤلف أن الصحفيين العرب قد قطعوا رحلة طويلة خلال مسيرة الصحافة في بلدانهم، وأن هذه الرحلة قد بدأت بالدفاع عن الأوضاع القائمة، وانتهت في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بإدراك أن مهمتهم لابد أن تكون هي التحريض والمشاركة الإيجابية الفعالة في صناعة التحولات السياسية والاجتماعية في بلدانهم. وهو يعتقد أن ما تمر به الصحافة في الوقت الراهن لا يمكن أن يوصف بأقل من" ثورة" حقيقية في طرائق وأساليب التناول والطرح، سوف تمكنها من معالجة موضوعات محورية مثل الحرب والسلام في الشرق الأوسط، والإصلاحات الاجتماعية والسياسية في دوله المختلفة، والعلاقات بين الشرق والغرب. وهو يعتمد في كتابه على مسح عريض عابر للحدود للصحافة، وعلى المقابلات الشخصية، مع العشرات من المحررين، والمخبرين، والمراسلين الصحفيين، وعلى خبرته الصحفية التي تقارب الثلاثين عاماً في ممارسة التغطية الصحفية من الشرق الأوسط، ويدرس من خلال ذلك الطريقة التي ينظر بها الصحفيون العرب إلى أنفسهم، وإلى مهمتهم في هذه الأوقات الحرجة من الفوران السياسي، وتطور وسائل الإعلام العربية خصوصاً بعد إخفاق أجهزة الإعلام التي تديرها الدولة، في تغطية الأحداث المتسارعة التي تجتاح العالم العربي في الوقت الراهن، الذي دفع الوسائل الإعلامية الأخرى إلى اللجوء إلى المدونات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "الفيسبوك" و"التويتر" وإلى الأفلام المعروضة على موقع" يوتيوب" لاستيفاء كافة تفاصيل وملامح الصورة الأكبر، وهو ما جعل ما يعرف بـ"المواطن الصحفي" المصدر الرئيسي للمعلومات لتلك المنافذ. وجعل تلك الوسائل الأخرى تكتسب خصائص جديدة جعلتها مستحقة لصفة "الإعلام الجديد" التي أطلقها الخبراء والمراقبون عليها.ويرى المؤلف أن الإعلام الجديد قد ساهم بدرجة ملحوظة في الثورات والانتفاضات الحالية، وأن الأنظمة القمعية بما تمتلكه من أجهزة للمنع والرقابة، قد أخفقت تماماً في وقف تأثيرها على حركة التغيير الكاسحة، مما دعا البعض للزعم بأن بعض المنظومات الإعلامية التابعة لبعض الدول، قد ساهمت بالدور الأساسي في تغيير النظام في هذا البلد العربي أو ذاك. يقيّم الكتاب الضغوط التي تواجه وسائل الإعلام في الدول المختلفة وعلى وجه الخصوص الضغوط الحكومية وضغوط رجال الأعمال المقربين من الحكومة في منح وسيلة إعلامية ما عقوداً إعلانية سخية على اعتبار أن الإعلانات قد باتت من أهم مصادر تمويل تلك الوسائل أو منع تلك العقود عن وسيلة أخرى، وهو ما يتم بناء على معيار القرب أو البعد عن الأنظمة التي تتدخل في أحيان كثيرة بوسيلة ضغط أخرى هي التمويل الصريح أو المستتر لأصحاب الصحف. ويتناول المؤلف بعض التطورات الإيجابية التي حدثت في العقد الأخير. ففي تونس تحت حكم بن علي- وعلى الرغم من حقيقة أن الحكومة وأنصارها كانوا يسيطرون على كافة وسائط الإعلام فإن بعض المواقع على الشبكة الدولية للمعلومات مثل موقع"كلمة" التونسي على سبيل المثال نجحت لحد كبير في الوفاء بالطلب الشعبي على الأخبار غير المراقبة. وفي مصر، وعلى الرغم من أن السلطات قد خففت من قبضتها بعض الشيء على الوسائل الإعلامية بعد انتخابات 2005، فإن الحملة التي قامت بها سلطاتها ضد القنوات الإخبارية الأجنبية خلال الانتفاضة التي وقعت فيها في أواخر شهر يناير إلى منتصف شهر فبراير تقريباً، قد أثبتت أن مفهوم حرية الإعلام في العديد من الدول العربية لا يزال مفهوماً خادعاً لحد كبير، ففي رأي المؤلف أن ما يقال عن تلك الحرية نظرياً، يختلف تمام الاختلاف عما يتم على أرض الواقع.وهو يشير من أجل تعزيز وجهة نظره إلى أن تقارير المنظمات العالمية المعنية بالدفاع عن حرية الإعلام، ودراسة أشكال الحرية فيه، كانت تضع الدول العربية دوماً في آخر قوائم الدول الملتزمة بحرية التعبير، وهو يرى أن هذا الوضع يطرح الكثير من الأسئلة حول تجربة الصحفي العربي المكبل بالرقابة السياسية والثقافية، وبالقيود المجتمعية المختلفة التي تفرض عليه أن يكون غاية في الحرص في اختياره للموضوعات، وطريقة تناوله لها، خصوصاً في البلدان التي لا تزال تتعامل مع حرية الصحافة بنوع من الريبة والشك، إلى حد كبير. وهذا الوضع لا يعرض الصحفيين العرب لضغوط شديدة فحسب وإنما أيضا لمخاطر لا حصر لها، وهو يشير في هذا السياق إلى أن بعض الصحفيين العرب قد تعرضوا أثناء أحداث الربيع العربي للاعتقال والتحقيقات، والاستجوابات المطولة، بل ووصل الأمر في بعض الأحيان، إلى حد الاعتداء بالضرب عليهم من قبل السلطات الأمنية التي بذلت كل ما في وسعها للتضييق على هؤلاء الصحفيين، وإسكات صوتهم، ومنعهم من نقل ما يحدث في شوارع عواصمهم بحرفية وأمانة. ويتطرق المؤلف إلى شكل آخر من أشكال التحديات التي يواجهها الصحفي العربي، وهي تلك المتعلقة بقوانين النشر والرقابة، والتي وإن كان يُقال إنها قد باتت تفتح آفاقاً جديدة لعمل الصحفي، إلا أن الحقيقة، هي أنها تخضع لتغيير وتعديل مستمرين فما أن تتقدم خطوة، حتى تعود وتتراجع خطوات للوراء. وهو ما يثبت في حد ذاته أن الصحفيين مازالوا تحت الحصار، وأن بعض الحكومات العربية تحاول عبثاً - في المجال الإعلامي - الوقوف ضد حركة الزمن. سعيد كامل الكتاب: الصحفي العربي الجديد: المهمة، الهوية في زمن الاضطراب المؤلف: لورانس بينتاك الناشر: آي.بي تاوريس تاريخ النشر: 2011