إذا سُئلت عن أفضل خبر من أميركا اللاتينية خلال الأسبوع الجاري فإني سأشير إلى نبأ لم يلتفت إليه أحد ولم يحظ بما يكفي من تغطية وهو إعلان حكومة مدينة ميكسيكو اليسارية تخصيص ملايين الدولارات كحوافز مالية إلى طلبة المدارس الابتدائية المتفوقين، فقد أعلنت الحكومة المحلية في العاصمة المكسيكية أنها ستمنح كل طالب ما بين الرابعة والثانية عشرة من عمره 300 دولار سنوياً ستودع في حساب خاص به وسيستفيد منها أكثر من مائة ألف طالب ممن أظهروا تفوقاً في الدراسة وأحرزوا درجات أعلى من أترابهم. والهدف من هذه المخصصات المالية غير المألوفة في المكسيك هو إقناع الطلبة المتفوقين بحضور دروس إضافية بعد انتهاء المدرسة لصقل مهاراتهم وتعميق تفوقهم الأكاديمي سواء تعلق الأمر بدروس في الرياضيات، أو العلوم، أو الرياضة، بالإضافة إلى مساعدة هؤلاء الطلبة، كما يقول وزير التربية والتعليم في الحكومة المحلية "أكسيل ديدريكسون"، على تحمل بعض الأعباء المالية للدراسة. وقبل إصدار حكم على البرنامج الطموح الذي انخرطت فيه الحكومة المكسيكية وما إذا كان سيدفع بالطلبة إلى الاندماج في القرن الحادي والعشرين والتأقلم مع اقتصاد المعرفة، أم أن الأمر سيحولهم إلى رأسماليين قبل الأوان يتعين أولا التعرف إلى تفاصيل البرنامج والأهداف التي تحركه، فحسب "ديدريكسون" سيستفيد الطلبة المتفوقون الذين يخضعون للبرنامج ويوافقون على تلقي دروس إضافية بعد المدرسة من مجموعتين من المساعدات المالية: أولها تقدر بـ15 دولاراً شهرياً لتغطية تكاليف النقل وثانيها الحصول على 180 دولاراً تقريباً في السنة تودع في حساب ادخار يفتح بأسمائهم بأحد البنوك العاملة في الدولة. ويوضح وزير التربية والتعليم المحلي البرنامج قائلًا "إن جزءاً من المال سيُخصص لتغطية تكاليف النقل والجزء الآخر سيُدخر في حال بروز أي تكاليف أخرى سيكون على الأسرة تحملها، والهدف هو تحفيز الطلبة وأولياء أمورهم على الخضوع للدروس الإضافية بعد المدرسة والاستمرار في المثابرة والتحصيل الدراسي"، ولتسهيل عملية التصرف في المال سيوزع على الطلبة المستفيدين بطاقات السحب الآلي التي سيتحكم فيها أولياء أمورهم، بحيث ستودع المبالغ المالية شهرياً في حساب الطلبة على أن يتولى الآباء سحبها متى شاؤوا، وعن احتمال استخدام أولياء أمور الطلبة تلك الأموال لأغراض لا تمت لصلة بالهدف من البرنامج قال "ديدريكسون" بأن المدينة ستوفر "مدرسين خاصين" يتتبعون صرف الأموال ويساعدون الآباء على الاستخدام الأمثل للمساعدات المالية التي يحصل عليها أبناؤهم والموجهة أساساً لأغراض التحصيل العلمي وليس لشيء آخر. والآن يحق لنا التساؤل عن فاعلية البرنامج وقدرته على تحقيق الأهداف المرجوة منه، ففي الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى تخصص الأموال عادة لمكافأة الطلبة المعوزين لإبقائهم في المدرسة والحيلولة دون مغادرتهم الفصول الدراسية قبل الأوان، لكن التحفيز المالي للطلبة المتفوقين نادراً ما يُعمل به في تلك الدول، لذا برزت بعض التحفظات من قبل تربويين على البرنامج الذي تبنته مدينة ميكسيكو ومن بينهم "باز سيتو"، الخبيرة المكسيكية البارزة في مجال التربية عندما عبرت لي عن خشيتها من أن ينتهي البرنامج إلى وسيلة للدعاية السياسية، قائلة إن البرنامج لن يكون ذا فائدة إذا صرفت الأموال في غير وجهتها الصحيحة ولم تتابع السلطات العائلات المستفيدة. وفي إطار التحفظات أيضاً أكد "إسحاق بيرلنسكي"، عميد كلية التربية والتعليم في جامعة ميامي، أن إضافة ساعة في الأسبوع للطلبة لا يكفي لصقل مواهبهم، وبدلاً من تخصيص ساعة إضافية لكل طالب في الأسبوع يقترح الخبير أن يُجمع الطلبة المتفوقون في فصل واحد كما هو معمول به في بلدان أخرى حتى لا ينجر الطلبة المتفوقون إلى الوراء ولا يتراجع مستواهم، وهو رأي يتفق معه أيضاً "والتر سيكادا"، أستاذ التربية بجامعة ميامي الذي أخبرني بأن البرنامج جيد لو استهدف الطلبة الفقراء، أو الذين يصارعون لاستكمال دراستهم ويواجهون صعوبات مادية، وبخاصة هؤلاء الذين يضطرون للخروج إلى العمل في سن مبكرة، هذا بالإضافة إلى خلق تحفيزات واهمة لدى الطلبة تدفعهم لدخول البرنامج فقط للحصول على المال واختيار دروس ربما لا تناسبهم فقط للاستفادة من المخصصات المالية، موضحاً ذلك بقوله "إن البرنامج المالي يعني أن الطلبة يحصلون على المال إذا ما اختاروا الدروس الإضافية بصرف النظر عن فعاليتها، والحال أنه ما لم يتوفر حافز داخلي لدى الطلبة وأسرهم بدفعهم نحو المزيد من التعليم وتبني خيارات نابعة من رغبة داخلية لن ينجح الحافز الخارجي مهما كان مغرياً في تحقيق الهدف المطلوب"، أما فيما يتعلق برأيي الخاص حول البرنامج فإني أعتقد بأن الحوافز المالية فكرة جيدة لأنها على الأقل ستخلق ثقافة المنافسة الأكاديمية الغائبة في النظم التعليمية بأميركا اللاتينية، فخلافاً للصين والهند وأوروبا الشرقية التي تشجع التميز الأكاديمي تركز أغلب النظم التعليمية في أميركا اللاتينية على الكمية بدل النوعية، ولو ساعد البرنامج على تغيير هذه الثقافة فلا شك أن ذلك سيكون له تداعيات إيجابية على المدى البعيد. أندريه أوبنهايمر محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"