منذ 25 يناير الماضي، دخلت مصر مرحلة جديدة من تاريخها السياسي. وعلى رغم سقوط النظام فلا تزال تحديات التحول الديمقراطي صعبة وعسيرة. فنحن إزاء نظام يتسم بالمركزية الشديدة التي كانت تقبض على سلطات هائلة، ولا تزال السلطة التنفيذية تتمتع بالعديد من السلطات والقوانين "غير الديمقراطية"، كما أن الحزب الذي ظل مهيمناً بصورة أحادية على الحياة السياسية المصرية كان يحمل مشروعية وشرعية كحزب مهيمن ومسيطر. وهناك عائق شديد الخطورة أمام التحول الديمقراطي يأتي من طبيعة تركيب هيكل جهاز السلطة في مصر طوال ثلاثين عاماً حيث اختيار القيادات من قلب الجهاز الحزبي أو على أساس الولاء السياسي والشخصي المضمون مما أدى إلى تفريخ قيادات محدودة المستوى ويندر أن يتواجد فيها من هو على فهم بمطالب التحولات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية هذا إذا كانت تلك القيادات مقتنعة أصلا بالديمقراطية. كما أن أساس العلاقة بين جهاز الدولة والثقافة الديمقراطية أساس واهن للغاية. ومن ثم فإن الحاجة إلى دستور ديمقراطي جديد تغدو ضرورة ملحة لأن الدستور الحالي - مهما جرى ترقيعه- يبقى دستور مجتمع سياسي أحادي وليس مصوغاً أصلاً لتنظيم علاقات القوى في مجتمع تعددي. وتشهد على ذلك الصلاحيات الواسعة جدّاً لرئيس الجمهورية. وبالتالي فهو دستور يكرس مجتمعاً أحاديّاً. أما الباقي من النظام القانوني للدولة ما دون الدستور فهو أيضاً يلائم مجتمعاً سياسيّاً أحاديّاً، ويعبر عن عقلية أوتوقراطية غير راغبة بشدة في أي تحول ديمقراطي حقيقي. كما أن جهاز الدولة المصري يعرف سطوة كبيرة للسلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية. وهاتان سلطتا رقابة لا غنى عنهما لأي تجربة ديمقراطية، وسطوة السلطة التنفيذية تؤثر على مقدار أداء هاتين السلطتين لمهامهما الرقابية. وقد أنتج التدخل في تركيبة البرلمان من خلال التأثير في العملية الانتخابية برلماناً لا يعرفه الشعب وليس معبراً عنه ناهيك عن المستوى المحدود لأغلب أعضائه. وتعاني السلطة القضائية بدورها -رغم تراثها الجليل في الانتصار للحق والحرية- من ضغوط كبيرة حتى لو كانت غير مباشرة من قبل السلطة التنفيذية ما يضعف قدرات القضاء في حراسة التجربة الديمقراطية. ومن معوقات التحول الديمقراطي في مصر كذلك نوعية النخبة السياسية، فلئن كانت نخبة العهد السابق عبر ممارساتها قد توترت علاقتها بالديمقراطية فكراً وممارسة، فإن النخب المعارضة في ذلك العهد لها هي أيضاً نقاط ضعفها المؤثرة سلباً على عملية التحول الديمقراطي، حيث يغلب على تلك النخب طابع الماضوية، سواء في قوالبها الإيديولوجية أم في معاركها السياسية التي يدور جزء منها حول التاريخ. وكثير من قياداتها يعبر عن عقلية قديمة وإن بأطر جديدة بعيدة كل البعد عن عقلية مصر الجديدة ومصر المستقبلية. كما أن اللغة التي تطرح بها شعاراتها وتتناول بها قضايا المجتمع تكون أحياناً لغة غوغائية لا تعبر عن وعي بمشكلات مصر وطرائق حلها. وهي نخبة قليلًا ما تمارس داخل أحزابها تقليد الديمقراطية. وطبعاً فيما بين أطراف النخبة المعارضة ما صنع الحداد. حيث نادراً ما يجتمعون على موقف واحد! ويكاد يختفي لدى بعض أجنحة هذه النخب المعارضة الإحساس بمسؤولية الحفاظ على الاستقرار السياسي كضمانة لاستمرار التجربة الديمقراطية نفسها، وقطع الطريق على الراغبين في تدميرها. وبالنتيجة فإن النخبة السياسية المعارضة غير الناضجة سياسيّاً يمكن أن تعرض هي أيضاً التحول الديمقراطي للخطر. عبد العظيم محمود حنفي كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"