لم يعد التعليم الجيّد المدخل إلى المنافسة في سوق العمل فحسب، بل إن قوة الدول الاقتصاديّة أصبحت تقاس بمقدار ما توفّره من تعليم نوعي تتواءم مخرجاته مع احتياجات سوق العمل، وبالشكل الذي يخدم خطط التنمية فيها، وهذا ما تسير عليه منظومة التّعليم في الدولة، التي بدأت تجني ثمار التطوير والإصلاح الذي شهدته على مدار السنوات الماضية، وذلك بتخريج كوادر مواطنة في التخصّصات النوعية الدقيقة التي تتواءم مع عملية التنمية الشاملة والمستدامة فيها. في هذا السياق، فقد خرّجت "جامعة خليفة"، مؤخراً، طلبة البرنامج التأسيسي لـ "معهد الخليج للبنية التحتية للطاقة النوويّة"، وعددهم 10 مواطنين ومواطنات من العاملين في كلٍّ من "مؤسسة الإمارات للطّاقة النووية"، و"الهيئة الاتحادية للرقابة النووية"، و"جهاز حماية المنشآت والمرافق الحيويّة"، هؤلاء الطلبة سيمثلون ركيزة البنية البشرية للعمل في برنامج الطاقة النووية السلمية في الدولة، وهذه الخطوة تتماشى مع تدشين أول جامعة للهندسة النوويّة في الإمارات، من المقرّر أن تبدأ برنامجها الدراسي في شهر سبتمبر المقبل، وهذه الجامعة لا شكّ أنها ستسهم في تلبية حاجة "مؤسسة الإمارات للطاقة النووية" من العنصر البشريّ، للعمل في المشروع النووي السلمي للدولة، الذي من المقرّر أن يبدأ عام 2017. إن وجود مؤسسات تعليميّة قادرة على تخريج الكوادر المواطنة وتأهيلها وتدريبها لامتلاك المعرفة في مجال الطاقة النوويّة، بما تنطوي عليه من تكنولوجيا متقدمة ومتطورة، يعدّ أحد المخرجات الإيجابيّة لمنظومة التعليم، التي أصبحت أكثر تفاعلاً مع استراتيجيّة الدولة وخططها المستقبلية نحو الدخول إلى المجالات الحديثة والمتطوّرة، والتخصّصات النادرة التي تخدم عملية التنمية المستدامة فيها، والدليل على ذلك المعاهد التعليمية المتخصصة في بعض المجالات الحيوية، مثل "معهد مصدر للطاقة"، الذي يعنى بالدراسات العليا، وبحوث الطاقة المتجدّدة، ويستهدف تطوير اقتصاد المعرفة في أبوظبي، و"كلية الإمارات للطيران" التي استطاعت منذ إنشائها أن تقوم بدور مهمّ في تدريب الكفاءات الوطنية في مجالات المراقبة الجوية، وهندسة الطيران، وصيانة الطائرات، هذا في الوقت الذي بدأت فيه صناعة الطيران في الدولة تفتح مجالاً أوسع للتنسيق مع المعاهد الفنيّة والكليات والجامعات المختلفة في الدولة لإدخال علوم صناعة الطيران وهندستها في مناهجها، لتطوير هذه الصناعة، وتعظيم مدخلاتها في الناتج القومي. ما يدعو إلى التفاؤل أن العديد من مشروعات التخرجّ لطلبة الكليات العلمية أصبحت أكثر ارتباطاً بالمجالات الحيوية في الدولة، كالطاقة المتجدّدة، و"النانو تكنولوجي"، والصناعات المتطوّرة أيضاً، وهذا يؤكّد بوضوح أن منظومة التعليم باتت قادرة على تخريج كوادر مواطنة في التخصصات النوعية الدقيقة، التي تمتلك مهارات التعاطي مع التحولات الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها الدولة. إن المخرجات الإيجابيّة لمنظومة التعليم، التي باتت واضحة في العديد من المجالات، لدليل واضح على نجاح فلسفة الدّولة في الارتقاء بالتعليم وتعظيم مخرجاته، بصورة جعلت منها تجربة يحتذى بها، لأنها تستهدف في الأساس مواكبة كل ما هو حادث من تطوّر جذريّ في مختلف مجالات العملية التنموية في الدولة، وبالشكل الذي يسهم في نجاح المشروع النهضويّ فيها، والانطلاق به إلى آفاق أرحب وأوسع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.