عندما تقدمت مياه الفيضان مكتسحة في طريقها كل شيء، هرعت الغزلان، والثعابين، والدببة، والقوارض العملاقة، والقنافذ، بل وحتى التماسيح، باحثة عن بقعة عالية تحتمي بها سواء كانت تلك البقعة على قمة جسر، أو في نقطة عالية في فناء منزل خلفي. كان البشر أيضاً يهرعون في كل اتجاه بحثاً عن مهرب من مياه الفيضان الكاسحة، في حين انشغل كثيرون منهم بتعبئة الملايين من أكياس الرمل، كي يستخدموها كمتاريس لدفع المياه المتدفقة. وانهمك رجال مكافحة الفيضان في تركيب الحواجز المانعة وغيرها من المعدات التي تستخدم في التخفيف من سرعة المياه. واستعدت المستشفيات من خلال تخزين كميات كافية من مضادات تُستخدم في علاج السموم تحسباً لزيادة عدد المواطنين الذين يتعرضون للدغات الثعابين. وخلال الفيضان بذل سلاح المهندسين محاولات مضنية لسد الثغرات التي كانت تنفتح في الجسور المقامة على امتداد نهري المسيسيبي، واتشافالايا، بسبب قوة ضغط المياه. فتلك الثغرات كانت تسمح بدخول المياه التي كانت يمكن أن تسير لأميال داخل الجسور، إلى أن تنفجر في مكان بعيد مما قد يؤدي إلى انهيار الجسر وحدوث كارثة إذا كان المرور عليه كثيفاً في نفس اللحظة. ويقول الخبراء إن هناك في الوقت الراهن حرباً بين الإنسان والنهر، على امتداد سهل المسيسيبي، الذي تبلغ مساحته 35 ألف ميل مربع، وهي حرب تمثل أصعب اختبار تواجهه" أنظمة التحكم في الفيضان" الخاصة بسلاح الهندسة التابع للجيش الأميركي خلال الخمسة وثلاثين عاماً الأخيرة. حتى الآن يسيطر المهندسون على الوضع، على الرغم من أنهم لا يدعون أنهم قد حققوا الانتصار على النهر حتى الآن، لأن الفيضان الحالي ليس فيضاناً هائلاً فحسب، بل إنه فيضان طويل الأمد أيضاً يتوقع له الخبراء أن يستمر حتى فترة متأخرة من شهر يونيو المقبل. وهذا النوع طويل الأمد من الفيضان يشكل صعوبة بالغة مقارنة بالفيضان الذي يندفع بقوة ثم تخف قوة اندفاعه خلال مدة قصيرة. يقول الكولونيل" إيد فليمينج" قائد قطاع "نيوأورلينز" في فيلق الهندسة العسكرية: كل شيء موجود بحوزتنا من المعدات والآلات استخدمناه بالفعل أثناء الجهود التي قمنا بها لمقاومة الفيضان، وسوف نحتاج لاستخدام المزيد حيث لا يساورنا شك أن الماء سيظل مرتفعاً لفترة طويلة قادمة". يقول ضباط الفيلق إن الفيضان قد كشف عن العديد من العيوب في نظام الجسور والقناطر المعدة للتخفيف من أو مواجهة خطر الفيضان، حيث تبين أن بعض الجسور مصنوعة من الطين. يقول "ستيف ويلسون" رئيس قسم الجسور بمنطقة"بونتشارترين": المشكلة أن معظم تلك الجسور والقناطر معد للتعامل مع ارتفاع مستوى مياه النهر، ولا يستطيع الصمود أمام الفيضانات، فما بالك بفيضان كاسح مثل هذا الذي رأيناه مؤخراً هنا". ويؤكد "جوزيف سوهايدا" أستاذ العلوم المائية المتقاعد بجامعة لويزيانا ستيت:"نحن هنا لا نتعامل مع تقنية رقمية، ولكننا نتعامل مع تراب. فالتراب متاح ورخيص ولكنه ليس بالمادة الجيدة"( يشير هنا إلى الجسور المبنية من الطين). ويضيف سوهايدا:" والتسربات التي شهدناها من الجسور، ما هي إلا انعكاس لحقيقة أن هناك عيوباً في النظام القائم الذي لا اعتبره قوياً ومتيناً، لأنه ليس مبنياً بالخرسانة المسلحة". وانهيارات الجسور يمكن أن تؤدي لكوارث، وهو ما دعا الحرس الوطني إلى تسيير دوريات منتظمة على الجسور ليلًا ونهاراً، للإبلاغ عن أي انهيار فيها حتى تتم معالجته بسرعة قبل أن يتفاقم. حول هذه النقطة يقول"جاريت جريفس" رئيس هيئة الحماية والصيانة الساحلية بولاية لويزيانا:"نحن على أهبة اليقظة، فاحتمال وقوع كارثة في هذه المنطقة أمر حقيقي ونحن نبذل كل ما في وسعنا حتى تمر هذه الأيام العصيبة، باعتبارها أيام شهدت أعلى ارتفاع لمياه الفيضان، وليس أياماً شهدت كوارث فادحة". وتبلغ خطورة الفيضان مداها بالنسبة لسكان المناطق المنخفضة الواقعة في مجرى الفيضان التي يمكن أن تتعرض للغرق بالكامل. ومن أجل حماية مثل تلك المناطق من الأخطار التي تتعرض لها، ينبغي وضع العديد من القناطر والسدود في مسارات الفيضانات للتخفيف من اندفاع المياه، وإنقاذ تلك المناطق من الغرق. ولا تقتصر مخاطر الفيضان على ما يكتسحه في طريقه، ولا على إغراقه للمناطق المنخفضة حيث تقول"انا هاريبايك" مديرة البرامج للمنظمة البيئية المسماة "لويزيانا باكيت بريجيد" المتخصصة في مجال الإنقاذ من تداعيات الفيضانات إن الخطورة سوف تبلغ مداها، إذا غمرت مناطق الفيضان الحفر المهجورة، التي تدفن فيها المخلفات الكيماوية للمصانع. وتضيف" هاريبايك": مساحة بعض هذه الحفر هائلة والمشكلة أنها ليست مغطاة، كما أنها ليست معلمة كلها، وعلينا أن نتخيل ماذا يمكن أن يحدث عندما تغمر مياه الفيضان بارتفاع خمسة وعشرين قدماً حفراً كبيرة مثل هذه". وأكثر ما يخشاه مهندسو فيلق الهندسة التابع للجيش في الوقت الراهن، هو أن تتجه معظم مياه الفيضان إلى نهر "اتشافالايا" الذي يصب فيه نهر المسيسيبي جزءاً كبيراً من مياهه، وهو ما يمكن أن يعرض صناعات السفن والصناعات البتروكيماوية الواقعة على امتداده لخطر داهم. ويقول هؤلاء المهندسون إنه حتى إذا تمكنت أنظمة الحماية الحالية من الفيضان من اجتياز الاختبار الحالي، فذلك لا يعفينا من الاستعداد لفيضانات أكبر في المستقبل، والأمر يحتاج إلى المزيد من منظومات الحماية، وخيارات العمل، والعديد من صمامات تخفيف الضغط المائي على امتداد النهر. لقد اُختبر النظام الحالي لأقصى مدى، ولن يتمكن من تحمل المزيد... وهو شعور لا يبعث على الارتياح بالطبع ". جويل أتشينباتش كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"