تواجه صناعة النشر الصحفي في المجتمعات الحديثة تحديات البقاء في ظل ثورة التكنولوجيا الرقمية وتطور تقنيات الاتصال والإنترنت التي أوجدت واقعاً جديداً للتعاطي مع المعلومة ليس فقط بنقلها، وإنما بصورة تفاعلية وخيارات متعددة، بحيث أتاحت الفرصة للجميع للمشاركة والتعبير عن آرائهم بحرية ودون قيود. وخلال السنوات الثلاث الماضية وفي خضم الأزمة المالية العالمية انخفضت إيرادات الصحف بشكل عام من الإعلانات في مختلف دول العالم. واتخذ بعضها إجراءات للترشيد وتخفيض النفقات مثل تسريح الكوادر وتقليص عدد الصفحات أو التحول إلى النسخ الإلكترونية والتوقف عن الإصدار الورقي. محليّاً، لم تواجه الصحف اليومية التي تصدر في الدولة تحديات حقيقية هددت بقاءها، ولكن بعضها تراجع أداؤها ودورها بشكل كبير، وأخص بالإشارة هنا الصحف التي صدرت حديثاً، وأخرى مرت سنوات عديدة على إصدارها ولكنها أصبحت محدودة الانتشار والتداول إلى درجة كبيرة. وعند الحديث عن واقع صناعة النشر الصحفي بالدولة، تجدر الإشارة إلى أنه تصدر في دولة الإمارات 8 صحف يومية باللغة العربية و6 صحف باللغة الإنجليزية بالإضافة إلى عشرات المجلات والمطبوعات الأسبوعية والشهرية المتخصصة في شؤون المرأة والأسرة والاقتصاد والثقافة والفنون وغيرها وبمختلف اللغات، ويقوم معظمها على الأسس التجارية، وتحقق أرباحها من عوائد الإعلانات وتدفع بها رواتب الموظفين، وتستثنى من ذلك المطبوعات التي تصدرها إدارات الإعلام للمؤسسات الحكومية. ويمكن لأي مطلع على الواقع الإعلامي بالدولة الجزم بأن دائرة المنافسة من ناحية الانتشار والتوزيع في الصحف اليومية العربية تكاد تنحصر بين 4 صحف من اليوميات الثماني، وبالنسبة للصحف الإنجليزية تنحصر فقط في ثلاث صحف من الصحف اليومية الست التي تصدر في الدولة. وهذه الصحف هي التي تهيمن على الصناعة الصحفية من حيث الانتشار والتوزيع وتنوع المادة الصحفية وحرفية الممارسة، وهي التي تقتسم الجزء الأكبر من كعكة السوق الإعلاني في الدولة. فبحسب إحصاءات المركز العربي للبحوث والدراسات الاستشارية «بارك» عن سوق الإعلان في الإمارات، واصلت إعلانات الصحف سيطرتها على المشهد الإعلاني خلال الربع الأول من العام الحالي 2011، حيث بلغت حصتها من إجمالي الإنفاق الإعلاني بالدولة نحو 61% بقيمة 792 مليون درهم (216 مليون دولار). وقالت إحصاءات «بارك»، التي نشرتها صحيفة "الاتحاد" نهاية أبريل الماضي، إن الإمارات احتلت موقع الصدارة في صناعة الإعلان العربية محققة أعلى إنفاق إعلاني بقيمة 1,28 مليار درهم (349 مليون دولار) خلال الربع الأول من العام الحالي، مقابل 1,244 مليار درهم (339 مليون دولار) خلال الفترة المماثلة من العام الماضي بنمو 3% خاصة بعد تعافي قطاعات مهمة مثل العقارات والبنوك. وهذه الأرقام تدعو للتفاؤل بالنسبة للقائمين على إدارة المؤسسات الصحفية في الدولة، وتبشرهم بأن "صنعتهم" الحالية بخير من ناحية وجود معلن مستعد للدفع بسخاء. إلا أن هذه العوائد المليارية السنوية، لا ينبغي أن تدعو القائمين على الصناعة الصحفية للركون إلى الدعة وإغفال التحدي الحقيقي المتمثل في بروز دور الوسائل الرقمية وتكنولوجيا الاتصال الحديث. فالجيل الناشئ من الشباب أكثر ارتباطاً بوسائل الإعلام الجديد، وقد أصبحت المدونات والمواقع الإخبارية والشبكات الاجتماعية، تستقطب هؤلاء لأنها أكثر سرعة وتفاعلية وتقدم إعلاماً بديلًا عن الإعلام الرسمي، وبدأت تدريجيّاً في مشاركة الصحف التقليدية في حصتها من الإعلانات. إن أمام الصحافة الورقية تحدي تطوير منتجها للمحافظة على جمهورها، ولا يكفيها فقط نشر نسختها الورقية إلكترونيّاً على شبكة الإنترنت. فأفراد الجيل القادم وبعد عقد من الآن لن يكونوا ممن يحبذون قراءة الصحيفة الورقية في الصباح مع كوب الشاي أو القهوة، وإنما سيكونون ممن لا تفارق أناملهم أجهزة الهواتف الذكية طوال اليوم يتابعون من خلالها ما يدور حولهم في العالم.