لا يملك زائر اليابان إلا أن يفيض شعوره بالاحترام المتمثل في الإفصاح عن كل ما يمكن سرده ووصفه من مفردات إيجابية، فاليابان بلد يهتم بذاته وبثقافته، ويقدر شعبه إلى أبعد الحدود. وضمن هذا الإطار، نجد أن فنادق اليابان مخصصة لليابانيين بهندستها وطريقة تصميم أثاثها، ومدارس اليابان أيضاً مؤسسة للطفل الياباني بثقافته وهويته ولغته المتجذرة، والأمر نفسه يظهر في قناعاتهم وحتى مواصلاتهم، التي صُممت من أجل الياباني أولاً وأخيراً. كما أن التقدم المذهل في استخدام التكنولوجيا داخل اليابان، جعل منها نموذجاً مختلفاً في حقيقة ما تفعله التقنية للناس، وكيف أنها سهلت طرق المعيشة، وأعطت متسعاً من الوقت للعمل دون إزعاج بقلق من معوقات، ناهيك عن مطاعمهم ونظافة شوارعهم التي تنم علانية عن مدى تحضر هذا الشعب الفذ. ولكن هذا لا يلغي أن هناك أجانب يعيشون في اليابان كضيوف لهم مطاعمهم ومساكنهم ومدارسهم، ولكنها تخدم فئات محدودة، وصممت لتخلق حالة من التعايش الإيجابي في مجتمع يعتبر كل الاعتزاز بثقافته. مناسبة هذا المثال أني قرأت منذ أيام عن أحد الأشخاص يشكو، كون ثوبه "كندورته" ليس له مكان كافٍ في خزانة الملابس في أحد الفنادق الفاخرة بإحدى المدن الخليجية. وكان محقاً حين قال إن كل شيء يصمم للأجانب، وقد لا يناسب في بعض الأحيان احتياجات هذه المجتمعات، فمواصفات الفنادق تخدم زبائنها الأجانب في حين أن المرتادين الخليجيين يعتبرون النسبة الأكبر في شغل الغرف الفندقية. ولا يتوقف الأمر عند الفنادق، فالأمر ذاته ينطبق في بعض الأحيان على المدارس والمواصلات والمطاعم والمولات وغيرها، وكأن ثمة خجلاً من الخصوصيات التي تميز المجتمع، على اعتبار أن له هويته وخاصيته وتفاصيله الاجتماعية المهمة، التي لابد وأن يتم الاهتمام بها. هذا لا يعني مضايقة أحد أياً كان، أو إنكار أن التعدد الثقافي قد يشكل ميزة، لكن هذا التعدد، ربما يأتي على حساب ذواتنا وقناعاتنا وهوية جيل، ينبغي أن يعرف أنه منتمي لهذا المكان. فمن غير المنطقي المبالغة في مراعاة الأجانب، لدرجة أنهم يعنونها صراحة عندما يقولون: أين أنتم؟ ولماذا لا نعرفكم خير معرفة؟ فليس من الطبيعي أن نؤجل ما يعنينا بحجة الاستثمار، وهو أمر تراكم لدرجة أن الطمس صار متوفراً. والحقيقة تقول أيضاً إن وضع معاييرنا الخليجية لن يضر بأحد، بل على العكس سيُعطي انطباعاً صادقاً عمن نكون، وكيف أن هذه المعايير تعكس احتراماً لنا أولاً وأخيراً. هذا الإفراط في البحث عن رضا الآخر، أودى بمعرفتهم ودرايتهم بخصوصيتنا إلى الهاوية، وهذه حقيقة نراها كل يوم ونقرأ عنها في مواقعهم وأخبارهم وطبيعة علاقتهم بنا. ليس خطأهم بالطبع، فالمسؤولية تقع أيضاً على المجتمع كونه المعني والملام على هذا التفريط.