ما الذي يتعين على الولايات المتحدة فعله مع باكستان، الدولة ذات الأهمية الاستراتيجية؟ المزاج السائد في واشنطن بشأن باكستان حالياً ليس بالمزاج الطيب، كما تدل على ذلك العديد من الشواهد. فكبار المسؤولين في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية، يعتقدون أن باكستان إما كانت متواطئة بشأن موضوع بن لادن، وكانت تعرف مكانه، أو أنها فعلاً لم تكن تعرف مكانه رغم أن هذا المكان كان موجوداً بالقرب من أكبر أكاديمية عسكرية في البلاد، وهو ما يعني أنها تفتقر للكفاءة بالفعل. وبعض أعضاء الكونجرس، من الجمهوريين والديمقراطيين، يبدون تذمراً من حزمة المساعدات الأميركية الضخمة التي تتدفق على حليف لا يعتمد عليه، بل وربما يكون غير جدير بالثقة. أما العسكريون في الولايات المتحدة، فقد ضاقوا ذرعاً بقادة الجيش في باكستان، وبالاستخبارات العسكرية الباكستانية التي تطارد بعض الجماعات الإرهابية، وتشتري ولاء البعض الآخر. وطالما أن الأمر كذلك، فإن السؤال التالي لابد أن يطرح نفسه: ألم يحن الوقت إذن كي تقوم الولايات المتحدة بالتخلص من باكستان؟ قبل أن تفعل الولايات المتحدة ذلك عليها أن تنظر إلى العواقب. فباكستان ديمقراطية هشة، تعاقبت على حكمها منذ تأسيسها عام 1947 كوطن للمسلمين، ديكتاتوريات عسكرية غالباً، وحكومات ديمقراطية أحياناً، و في الوقت الراهن ما زال العسكريون هم أهل الحل والعقد فيها. ويتوزع سكان باكستان الذين يبلغ تعدادهم 187 مليون نسمة على ست مجموعات عرقية رئيسية، يعيش معظمهم في فقر مدقع، ولا يدفع الضرائب منهم سوى 1 في المئة، علاوة على أن مؤسساتها السياسية ضعيفة، وكذلك اقتصادها. وهي بالإضافة لذلك، دولة تمتلك ترسانة نووية لا بأس بها، تضم ما يزيد عن 100 صاروخ، وتنشط بها تنظيمات مثل "القاعدة" و"طالبان" وغيرهما من الجماعات الإرهابية التي قد يكون بعضها راغباً بشدة في الحصول على سلاح نووي، رغم التأكيد الدائم من جانب الجيش الباكستاني على أن هذه الترسانة مؤمّنة تماماً ولا خوف عليها. يمكن القول إذن إنه إذا لم يحدث تطور رئيسي في باكستان، فإن تلك الدولة التي تعتبر سادس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، يمكن أن تتحول إلى دولة فاشلة في منطقة حرجة من الناحية الاستراتيجية. فهل هي إذن دولة يمكن للولايات المتحدة تجاهلها؟ هناك عامل مهم يجب على الولايات المتحدة وضعه في الحسبان، وهو أنها لو أدارت ظهرها لباكستان، فإن الأخيرة قد تلجأ إلى تقويه تحالفها مع الصين، المنافس الاقتصادي الذي يمتلك طموحات استراتيجية إزاء المناطق الخاضعة للنفوذ الأميركي. ومن المعروف أن باكستان كانت لها دوما علاقات ودية مع الصين، كما كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالصين في خمسينيات القرن الماضي. وإلى ذلك يتبادل زعماء البلدين الزيارات دائماً، كما تقوم الصين بتزويد باكستان ببعض احتياجاتها من الأسلحة. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي كان بن لادن عقلها المدبر، طلب الرئيس بوش من باكستان إعلان موقفها بوضوح كي تحدد ما إذا كانت مع الولايات المتحدة في حملتها ضد "القاعدة" أم لا. وفي ذلك الوقت خرج الرئيس الباكستاني برويز مشرف، ليعلن بوضوح دعمه للولايات المتحدة، وهو ما دشن حلفاً بينه وبين واشنطن، بعد أن كانت العلاقات بينهما متأرجحة. بعض الزعماء الباكستانيين لم يعجبهم ذلك التحالف، وظلوا على اعتقادهم بأن الصين تمثل بالنسبة لهم حليفاً يمكن الاعتماد عليه بأكثر مما يمكن الاعتماد على الأميركيين، وهي حجة اكتسبت مصداقية عندما قام بوش بتدشين علاقة وثيقة مع الهند شملت دعماً لبرنامجها النووي. ومن المعروف أن باكستان مصابة بحالة من الخوف المرضي من جارتها الهند، التي دخلت في أربع حروب ضدها، والتي تمتلك اقتصاداً يزداد ازدهاراً في الوقت الذي يتعرض فيه اقتصاد باكستان لصعوبات جمة. ومن المتوقع أن يؤدي قيام الولايات المتحدة حالياً بالتخلي عن علاقاتها مع باكستان، بدفع الأخيرة لتقوية تحالفها مع الصين وجعلها حليفها الأساسي. في عام 2009 صوت الكونجرس الأميركي بالموافقة على منح باكستان حزمة مساعدات بعدة مليارات خصصت في معظمها لجهود التطوير الديمقراطي والاجتماعي. وكانت تلك الحزمة من المساعدات مشروطة في البداية بإجراء مراجعة سنوية صارمة للتأكد من عدم تدخل المؤسسة العسكرية الباكستانية في هذه البرامج، وهو شرط رفضته باكستان بشدة، مما دفع الكونجرس للتراجع عنه. وسوف يكون من قبيل الحماقة أن يقوم الكونجرس بإلغاء برنامج المساعدات لباكستان، وهو برنامج غاية في الأهمية لتحقيق استقرار ذلك البلد الذي يواجه حالياً تحديات غاية في الخطورة. غير أن ذلك لا ينفي أنه من حق الكونجرس - في وقت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة حالياً- التأكد من أن الملايين التي تدُفع لباكستان تنفق بشكل مناسب للمصالح الأميركية. والولايات المتحدة على حق عندما تعارض السياسات الباكستانية المناوئة للمصالح الأميركية .كما أنه من حقها أن تقرر من هو الصديق ومن هو العدو داخل الجيش والاستخبارات الباكستانيين. غير أن هذا بالطبع أمر بعيد كل البعد عن تجاهل باكستان، وإدارة الظهر لها مما يدفعها للارتماء في أحضان الصين. جون هيوز مساعد وزير الخارجية الأميركي في عهد ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"