عندما قامت الثورات العربية في خمسينيات القرن الماضي على الأنظمة الملكية والوراثية، كان قادة هذه الثورات ينظرون إلينا نحن الخليجيين على أننا مجموعة "بدو" تحكمهم أسر وعوائل، بل وقد صرح بعضهم بمثل هذا، ويشيرون إلى أنهم بدأوا عهد التطور والازدهار والحريات بالانقلاب على الحكم الوراثي، ثم دارت الأيام لتكون هذه الجمهوريات أمثلة صارخة للقمع والظلم والاستيلاء على مقدرات الدول، وهي تصلح لتكون أمثلة أكاديمية تدرس في الجامعات لبيان كيفية الظلم والاستبداد. ومع دورة هذه الأيام أثبتت أنظمتنا الوراثية وحكامها أنهم أكثر أماناً وحرية وعدلاً وتطوراً وتنمية وانفتاحاً من أنظمة الثوار والثورات. عندما اصطدم قادة هذه الثورات بالفجوة ما بين أنظمتهم التي أوهموا الناس أنها ستكون باب الازدهار وبين قادة الأنظمة الوراثية راحوا يوهمون شعوبهم بوهم آخر، وللأسف أصبح هذا الوهم هو الفكر العام السائد عند الشعوب العربية، وهو أن دول الخليج دول غنية جدّاً بما لديها من نفط وأن هذه الثروات النفطية هي سر الرخاء الذي تعيشه شعوبها، وهذه الفكرة مغلوطة جدّاً، بل هي وهْم أدخله قادة الثورات عندما انفضح أمرهم وبان وجههم القبيح، ليداروا عن سوءاتهم. للحقيقة لسنا أغنى من غيرنا أبداً... بل إن كثيراً من هذه الجمهوريات أغنى منا بكثير، والثروة ليست نفطاً فقط، والحقيقة التي يخجل منها هؤلاء أن قادتنا في الخليج أحسنوا إدارة شؤون البلاد... حتى لو كانت هناك مآخذ على بعض حكوماتها... فالخطأ من طبيعة البشر... وأن غيرهم من قادة الثورات بدّدوا خيرات بلادهم... هذه هي الحقيقة، استطاع الخليجيون أن يحولوا صحراءهم القاحلة إلى جنات، وذهب قادة الثورات ليبدلوا جنات بلادهم إلى صحارى قاحلة وسجون. لا توهموا شعوبكم بأن النفط هو سبب الرخاء الذي يعيشه الخليجيون... السبب نظام الحكم وحسن تدبيره ليس إلا... هناك بعض الدول الخليجية لا تملك النفط وليس لديها ما للجمهوريات الثورية من ثروات طبيعية... لكنها استطاعت أن تصنع تعليماً وثقافة وتطوراً وسياحة، ما جوابكم على مثل هذه التجارب؟ هناك ثلاث محطات ينبغي أن نقف عندها بعد هذه الحقيقة: المحطة الأولى: للشعوب العربية التي ترى فينا مجموعة "بدو" أغنياء ليس إلا... فهذه ليست هي الحقيقة، إنه الوهم الذي زرعه فيكم قادة الثورات... نحن في الخليج كله لم يحكمنا طاغية أو جبار أو ظالم، ولم يمر علينا مثل هذا، ولن يمر أيضاً... لأنه لو مر ستكون الأسر الحاكمة، هي التي توقفه عند حده قبل الشعوب... أوهموكم بأن البترول سبب رخائنا وأنكم دول فقيرة... وقد بان لكم بعض الحقائق فكونوا منصفين. المحطة الثانية: لشعوبنا الخليجية... دافعوا عن أنفسكم... وافخروا بقدراتكم ومقدراتكم البشرية، أثبتت الأيام أننا نملك قدرات هائلة... اتركوا عقدة "مستشار الخارج"، يحق لنا أن نفخر بكل ما نملك. المحطة الثالثة: لبعض الأصوات النشاز من أبنائنا، الذين أخذوا يشوهون صورة أنظمة الحكم في بلادنا... كفوا عن السفاهة... واطلعوا على التاريخ القريب قبل البعيد... لا يوهمكم أحد بأفكار لو عرضت على الأطفال لرفضوها.. "العقل زينة أيها المخدوعون". محمد صالح السبتي كاتب كويتي yousef-8080@hotmail.com