مجموعة "الثماني" تدعم "الربيع العربي"... وأوروبا تتوجس من "الربيع الإسباني"! دعم مجموعة "الثماني" للتحولات الراهنة في تونس ومصر، والتوجس من احتمال انتقال عدوى الاحتجاجات الإسبانية إلى دول أوروبية أخرى، ودلالات تحول الموقف الروسي في قمة "دوفيل" إزاء الأزمة الليبية، موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وأعمدة رأي الصحافة الفرنسية. "الثماني" والربيع العربي تساءل الكاتب بيير روسلين في مستهل افتتاحية لصحيفة لوفيغارو عما إذا كانت التحولات الأخيرة في بعض الدول العربية، التي أصبح ساريّاً في التداول الإعلامي تسميتها بـ"الربيع العربي"، ستتمكن من تجاوز العقبات الاقتصادية المتكاثفة في طريقها، وخاصة الحالتين التونسية والمصرية؟ والآن بعد مرور قرابة خمسة أشهر على هبوب رياح التغيير الجديدة على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، ما زالت المشكلات الاقتصادية تلقي بظلالها على المشهد بقوة في البلدان المعنية، من خلال مزيد من الاحتقانات الاجتماعية المتفاقمة، والانتظارات السياسية، غير المتحققة. وفي حالتي تونس ومصر تحديداً، اللتين تعتمدان بشكل كبير على مداخيل السياحة لتنشيط دورة الاقتصاد، ما زال هذا القطاع في حالة انعدام توازن تعيقه بشكل كبير عن استعادة دوره. وأكثر من هذا ما زال النشاط الاقتصادي بصفة عامة في حالة من الهشاشة والجمود تستلزم جهوداً استثنائية لإعادة إطلاقه، حتى لا تنتكس تجربة التغيير في هذين البلدين، بما يعيقها عن تحقيق حزمة التطلعات المستقبلية المنتعشة الآن لدى الشعبين. وأكثر من هذا يرى الكاتب أنه مع الحرب المستمرة منذ شهرين ضد نظام القذافي في ليبيا، والضغوط الشديدة التي يتعرض لها دعاة التغيير في سوريا، أصبحت تونس ومصر بمثابة مختبرين سيتقرر فيهما مآل تجارب التحول في المنطقة، على نحو لا يتيح ترف السماح بالفشل في أي من البلدين، لأن أي فشل لمسار التغيير فيهما سيكون بمثابة كارثة لجهة الحفاظ على التوازن الاستراتيجي الإقليمي، زيادة على إسقاطات أخرى بالغة السلبية فيما يتعلق بصراع الحضارات، وخطر تنامي التهديدات الإرهابية، وكذلك تفاقم ضغوط الهجرة غير الشرعية باتجاه الضفة الشمالية للبحر المتوسط. ولاشك أن كل هذا يفسر سبب الاهتمام الملفت للانتباه -يقول الكاتب- الذي أولاه قادة مجموعة "الثماني" في قمتهم الأخيرة في منتجع "دوفيل" الفرنسي تجاه الربيع العربي، وما صدر عنهم من وعود بدعم ومساندة الاقتصادين التونسي والمصري. وفي هذا المقام يرى روسلين أن الدول الغربية خاصة تجد هنا نفسها في واحدة من الحالات النادرة التي تلتقي فيها مصالحها الخاصة مع مبادئها العامة. هذا إضافة إلى حقيقة كون قمة الثماني الأخيرة، بمضمونها السياسي الملفت، أعادت أيضاً إلى الأذهان دور المجموعة الدولي بعدما ظن كثيرون أنها قد أفلت وتركت مكانها لمجموعة العشرين. وفي سياق متصل خصصت صحيفة لوموند أيضاً افتتاحية للدعم الذي لقيته التحولات العربية من قبل قمة "دوفيل" مشيرة إلى أن حجم وزخم الضغوط التي تواجهها حالتا التحول في مصر وتونس وضغوط المرحلة الانتقالية هناك يجعلان البلدين في مواجهة مخاطر نشوب أزمات اجتماعية، وتكاثف محاولات القوى الداخلية المناهضة للتغير لتحريف مسار الوضع في اتجاهات غير مرغوبة، وأخطر من هذا وذاك احتمال بزوغ حركات شعبوية ساعية لركوب الموجة على نحو يضر التحول ولا يفيده. وفي ضوء كل هذا يبدو مبرراً تماماً انخراط القوى الدولية الثماني الكبرى، التي اجتمعت على ضفاف بحر المانش بفرنسا، في جهود دعم أجواء التحول وتيارات الربيع العربي، وتحديداً ما يتعلق من ذلك بدعم الاقتصادين المصري والتونسي، وخاصة أن ما يطلبه التونسيون -25 مليار دولار عن فترة 5 سنوات مقبلة- وما يطلبه المصريون -ما بين 10 و12 مليار دولار حتى منتصف العام المقبل- لا يمثل شيئاً مقارنة بتكاليف الالتزام الغربي في أفغانستان، والأميركي في العراق. الربيع الإسباني في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون رصد الكاتب نيكولا ديموران أسباب احتقان الشارع الإسباني مؤخراً ونزول عشرات آلاف المحتجين للاعتصام في الساحات والميادين العامة رفضاً لسياسات الحكومة الاشتراكية ولجوئها إلى تدابير تقشفية لإخراج اقتصاد البلاد من ضائقة المديونية والتعثر. واعتبر الكاتب أن هدف المعتصمين بساحة "بويرتو ديل صول" في العاصمة مدريد، والمعتصمين في غيرها من ساحات المدن الأخرى، هو إيصال رسالة مؤداها رفض الخيارات الاقتصادية التي تتجاهل المطالب الاجتماعية، وكذلك التنديد باحتكار الحزبين الكبيرين في البلاد للحياة السياسية، وبكلمة واحدة الدعوة إلى تصحيح ما يعتبرونها أوجه نقص واعوجاج في النموذج الديمقراطي الإسباني. وفي معرض تحليله لأبعاد الربيع الإسباني، قال الكاتب إن ما يريد الشباب الإسبان اليوم من رموز طبقتهم السياسية معرفته هو أنهم لا يمثلونهم، بحكم انفصالهم الحزبي والسياسي عن التطلعات الشعبية العامة. وفي الأخير حذر الكاتب من أن المخاض الإسباني الراهن قابل للانتقال لدول أوروبية أخرى كثيرة إذا لم تعرف حكومات الاتحاد الأوروبي، من اليمين واليسار معاً، كيف تخفف ضغوط سياسات التقشف الاقتصادي على شعوب القارة. وتتفق أيضاً مع هذا التحذير الأخير افتتاحية لصحيفة لوفيغارو ذهب كاتبها إلى أن موجة الاحتجاجات الإسبانية، والتصويت العقابي ضد الحكومة الاشتراكية هناك في الانتخابات الجهوية الأسبوع الماضي، ينبغي أن يقرعا أجراس الخطر في مختلف العواصم الأوروبية الأخرى، لكي تنتبه إلى أن سياسات التقشف الاقتصادي الحاد لها انعكاساتها الاجتماعية، ومن ثم السياسية، التي يمكن أن تصب الزيت على نار أزمات فائض المديونية الأوروبية وتداعيات الكساد العالمي، بصفة عامة. واعتبرت الصحيفة، في حالة إسبانيا بالذات، أن الحاجة قائمة هناك إلى ديفيد كاميرون إسباني، قادر على العبور بالبلاد من مأزقها الاقتصادي الراهن، بكل إسقاطاته الاجتماعية، وذلك بتدابير فعالة وجريئة كتلك التي اتبعها زعيم حزب "المحافظين" البريطاني العام الماضي، لتعويم اقتصاد بلاده. وهنا يتعين على زعامة الحزب الشعبي اليميني المعارض المرشح بقوة للعودة للحكم العام المقبل أن يستعد من الآن لهذه المهمة الجسيمة التي تواجهها إسبانيا اليوم. أما الكاتب جان أورتيز فقد ركز في افتتاحية صحيفة لومانيتيه على ما اعتبره نذر عودة قوية لليسار الأوروبي لاستعادة زمام المبادرة، داعيّاً بقية الشعوب الأوروبية للاستفادة من الدرس الإسباني لتكثيف الضغوط ضد تغول البنوك والرأسمالية المالية، معتبراً أن إسبانيا بعد احتجاجات مايو 2011 لن تعود أبداً كما كانت قبلها، إذ لابد من حدوث تحولات تستجيب لتطلعات المحتجين في النهاية. روسيا ورحيل القذافي تساءلت لوفيغارو في عنوان افتتاحيتها أول من أمس (الجمعة): "لماذا تخلت روسيا عن القذافي؟"، مجيبة بأن انضمام روسيا في قمة "دوفيل" لمواقف الدول الغربية، ودعوتها القذافي إلى الرحيل، كان سببه على الأرجح توصل الكريملن إلى قناعة مؤداها أن العواصم الغربية مصممة فعلاً، وبشكل حازم، على إنهاء نظامه، وكذلك لاقتناع موسكو بأن فرص القذافي في البقاء أصبحت صفراً، بكل المقاييس. وبصرف النظر عن كلام بوتين السابق المنتقد للتدخل الغربي، فإن هذا المنعرج الجديد في الموقف الروسي يشكل ضربة قوية لنظام القذافي حيث فقد أحد أبرز وآخر داعميه الدوليين. والحال أن خيار الكريملن هذا ذو أبعاد استراتيجية متعددة، فروسيا التي تعاني من عنف الأصولية في القوقاز تدعم بقوة التحولات الديمقراطية والإصلاحية في شمال أفريقيا. وهنا كان على بلاغة العداء للغرب لدى بوتين أن تتوارى لتفسح المجال للرؤية الاستراتيجية البعيدة لمدفيدف. وبحصول روسيا على دور الوسيط لإقناع القذافي بالرحيل، سيكون في مقدورها ضمان الحفاظ على مصالحها في ليبيا، وتقوية حضورها ودورها في الشرق الأوسط. وفي ذات الوقت أيضاً عزز تطور الموقف الروسي من ليبيا فرص التعويل على المزيد من الشراكة الغربية مع الكريملن، حتى في المجال الأمني. وهنا يبدو الرهان الفرنسي مبرراً، بالمضي قدماً في صفقة تزويد البحرية الروسية بأربع سفن "ميسترال" متطورة، وهو العقد الذي تم أخيراً التوقيع عليه بشكل نهائي في "دوفيل". إعداد: حسن ولد المختار