بالنظر إلى الاضطرابات التي تعم الشرق الأوسط وقربها من منطقة الخليج العربي فإن البعض قد يستغرب من مستويات الثقة العالية التي أظهرها رجال الأعمال في بعض دول الخليج تجاه المناخ الاقتصادي الحالي في بلدانهم وتفاؤلهم إزاء المستقبل. وهذا الشعور العام بالرضا كان هو النتيجة التي خرج بها استطلاع أنجزته مؤسستا "زغبي الدولية" و"أوليفر وايمان" في أوساط رجال الأعمال بثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات وقطر، ويعتبر هذا الاستطلاع الذي أكمل دراسته في مايو 2011 هو الرابع ضمن سلسلة من الاستطلاعات التي تجُرى مرتين في السنة وتقيس ليس فقط مستويات الثقة لدى الشركات، بل أيضاً أولويات الإصلاح والرضا عن الأداء الحكومي في عدة مجالات اقتصادية. وكان الاستطلاع قد انطلق أول مرة في عام 2009 عندما كانت الأزمة الاقتصادية العالمية في أوجها ليتكفل بقياس التوجهات العامة لدى الشركات العاملة في المنطقة مقدماً خلاصات مهمة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. ومن بين النتائج الدالة التي خرج بها الاستطلاع الأخير أن بين كل عشرة مديري شركات أعرب ستة منهم عن تحسن ملحوظ في ظروف عمل شركاتهم خلال السنة الماضية، فيما عبرت نسبة أكبر بكثير عن توقعاتها الإيجابية فيما يتعلق بالمناخ الاقتصادي العام خلال العامين المقبلين. وفي الوقت الذي أبدى فيه ثلثا قادة الشركات قلقهم مما يمور في المنطقة العربية عموماً من اضطرابات سياسية لم يعبر سوى واحد من بين سبعة مديرين عن مخاوفه من امتداد الاضطرابات إلى بلدان أخرى وتأثيرها على الوضع الاقتصادي ليبقى مصدر الإزعاج الأكبر بالنسبة لمديري الشركات في المنطقة متمثلاً في التداعيات السلبية الاقتصادية الخارجية مثل احتمال أزمة مالية جديدة أو انهيار سوق الأسهم وتأثير ذلك على الاقتصاد، وهو تخوف يتقاسمه أكثر من نصف الشركات التي طالها الاستطلاع. ومن العوامل الأساسية التي تفسر مستويات الثقة العالية لدى الشركات في الدول الثلاث الارتفاع المهم في مداخيل النفط والغاز الطبيعي الذي ساهم في تعزيز اقتصادات المنطقة، هذا وقد اعترف مديرو الشركات بالأداء الجيد الذي أظهرته الحكومات في البلدان الثلاثة من خلال التعامل الحصيف مع تحديات الأزمة المالية، لاسيما حزمة المساعدات المهمة التي ضختها الحكومة السعودية في الاقتصاد الوطني وتدخل حكومة أبوظبي لمعالجة تداعيات الأزمة المالية في عام 2009. ومع أن الاستطلاع لم يتطرق إلى جميع القضايا التي تواجه الاقتصادات في المنطقة وركز فقط على مواقف مديري الشركات وقراءتهم للمناخ الاقتصادي العام الذي يشتغلون فيه، إلا أنه سلط الضوء على المشاكل الأساسية التي تشغل بال الشركات. وكما بينت ذلك الاستطلاعات السابقة يستمر انشغال مديري الشركات بالحاجة إلى معالجة اختلالات سوق العمل وإصلاح التعليم بسبب أهميتهما في ضمان النمو الاقتصادي. ومن الجدير بالذكر هنا، بالنظر إلى ما يجري في الشرق الأوسط من حراك سياسي، أن قضايا الإصلاح في البلدان التي شملها الاستطلاع لم تلقَ اهتماماً كبيراً ولا اعتُبرت من القضايا التي تحتاج إلى تطوير أكثر من المجهود القائم، بل لقد عبرت الشركات عن مخاوف أخرى يأتي على رأسها "ارتفاع نسبة الشباب" بما يعنيه، لاسيما في السعودية، من حاجة إلى استيعاب 350 ألف شاب يدخلون سوق العمل كل عام. وفي هذا السياق تباينت المواقف بين المديرين المقيمين ونظرائهم المواطنين، فعلى رغم اتفاق المديرين على التحدي الذي يطرحه تنامي شريحة الشباب في المجتمع، فقد أشار المديرون المواطنون فقط إلى ضرورة إعطاء الأفضلية في التوظيف للمهارات الوطنية الشابة، فيما استمر المديرون من غير المواطنين، على رغم تخوفهم من بطالة الشباب، في تفضيلهم للمقيمين، وبخاصة إذا كانت رواتبهم أقل. وفي الوقت الذي تؤيد فيه الشركات الخاصة المواطنة فرض الحكومات لحصص ثابتة في توظيف الشباب المواطنين يعارض المديرون الآخرون ذلك. والملاحظ أن المديرين المقيمين أكثر انشغالاً بالاضطرابات السياسية التي تهز أجزاء أخرى من المنطقة العربية فيما نظراؤهم من المواطنين أقل تخوفاً منها. وعلى رغم اتفاق الجميع على ضرورة معالجة بطالة الشباب ووضع الخطط الحكومية الكفيلة بذلك، إلا أنه من الواضح أيضاً عدم قدرة الحكومات لوحدها على توظيف الجميع على المدى الطويل، بحيث يتعين على القطاع الخاص الاضطلاع بدوره وتشجيع المبادرة الحرة من خلال التأسيس لمشاريع صغيرة ومتوسطة تخلق فرص العمل للمواطنين. وبالطبع قد تُظهر استطلاعات رأي أخرى انشغالات مختلفة للرأي العام في المنطقة، ولكن عموماً كشفت استطلاعات سابقة لمؤسسة "جالوب" أن مستويات الرضا بين الجماهير تبقى عالية في المنطقة مقارنة بغيرها. وفي جميع الأحوال ومهما ارتفعت الثقة في البيئة الاقتصادية بالخليج تظل مسألة بطالة الشباب وتحدي توفير الوظائف لهم مشكلة أساسية ينبغي على الحكومات والشركات الخاصة معالجتها بالسرعة المطلوبة.