لم أتردد فور إلقاء أوباما خطابه يوم الخميس قبل الماضي 2011/5/19 في وزارة الخارجية الأميركية، في طرح تساؤل صريح نشر هنا يوم الأحد الماضي، فلقد اعتبرت أن الرئيس أوباما قدم صفقة تقوم على أمرين، الأول وعد لنا نحن العرب بضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية في حدود دائمة تستند إلى خطوط 1967 مع مبادلة في بعض الأراضي. والثاني وعد للإسرائيليين بأن يعترض على المسعى الفلسطيني للتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية. من هنا لخصت وجهة نظري في تساؤل مبكر يقول: كيف سيحقق أوباما هذه الصفقة في ضوء عجزه السابق عن إعادة نتنياهو للمفاوضات، وهل يملك أوراق ضغط جديدة تغير الموقف وترغم نتنياهو على الانصياع؟ ولقد أجبت عن التساؤل قائلاً: إنني أشك في هذا، ومع ذلك فلننتظر ونرقب. بالطبع لم ننتظر كثيراً، ففور وصول نتنياهو إلى واشنطن بدأت ضغوط اللوبي اليهودي على أوباما بحشد قوى الضغط في الكونجرس، وهو ما دفع أوباما إلى تليين موقفه في خطابه التالي أمام آيباك (يوم 2011/5/22) عندما راح يشرح أن تبادل الأراضي سيؤدي إلى حدود تختلف عن حدود عام 1967 للأخذ في الاعتبار الواقع السكاني الجديد. وفي الوقت نفسه واصل تأكيده للإسرائيليين أن الولايات المتحدة ستتصدى لأي محاولة لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة. لقد استفاد نتنياهو من تراجع أوباما، فأعلن في خطابه أمام الكونجرس يوم 2011/5/24 عدة لاءات هي، لا عودة لحدود 1967 ولا مفاوضات مع استمرار المصالحة بين "فتح" و"حماس"، ولا تقسيم للقدس، ولا عودة للاجئين إلى ديارهم، ولا انسحاب للجيش الإسرائيلي من نهر الأردن. إذن لقد وضع نتنياهو بمساعدة اللوبي اليهودي نهاية سريعة لوعد أوباما للعرب، ولم يبق من خطاب أوباما صالحاً للتطبيق سوى وعده للإسرائيليين باعتراض الاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة. في تقديري أن الموقف الذي أعلنته القيادة الفلسطينية هو موقف يتسم بالحكمة والحنكة السياسية في نفس الوقت، فلقد قررت التوجه إلى مجلس الأمن لمطالبته بتبني أفكار الرئيس الأميركي التي أطلقها حول عملية السلام. هذا الموقف من وجهة نظري، هو مجرد جسر يصل بين الوضع الحالي الذي رفض فيه نتنياهو طرح أوباما فيما يخص الالتزامات الإسرائيلية وبين موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم. أعتقد أن علينا خلال هذا الجسر الزمني أن نقوم بحملة إعلام سياسي تصحح الادعاء الذي روجه نتنياهو وكرره أوباما. إنه ادعاء أن الحصول على اعتراف أعضاء الجمعية العامة يستهدف عزل إسرائيل وسحب الشرعية منها. لابد أن يدرك الرأي العام الأميركي وأعضاء الكونجرس أن التوجه للجمعية هو لجوء إلى آلية دولية لتحقيق فكرة أوباما حول إقامة الدولة استناداً إلى خطوط 1967، وهي آلية يضطر إليها الفلسطينيون اضطراراً نتيجة لتجميد المفاوضات وتعنت نتنياهو ومعسكر "اليمين" الإسرائيلي. علينا أن نحسن استخدام هذا الجسر الزمني ليدرك أوباما نفسه أن عجزه عن إطلاق المفاوضات على الأساس الذي حدده في خطابه 2011/5/24 هو الذي يدفعنا إلى التوجه للجمعية العامة في سبتمبر، وأن عليه أن يتدارك هذا العجز وأن يعيد الحياة لعملية التفاوض، فما زالت هي الخيار الأول لدى الفلسطينيين.