رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لقي استقبالاً هائلاً في الكونجرس الأميركي تم التعبير فيه عن انحياز القوتين السياسيتين الأميركيتين في الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" لإسرائيل متجاوزتين الوقائع والحقائق على الأرض والمصالح الحقيقية لشعوب المنطقة ومشاعرها. نتنياهو ألقى هناك خطاباً نارياً عنيفاً أكد فيه يهودية الدولة الإسرائيلية واعتبر القدس العاصمة الموحدة لها. وجدد القول إن قضية اللاجئين الفلسطينيين تحل خارج إسرائيل. هذا يعني لا عودة لفلسطينيي الأرض المحتلة إلى أرضهم. وبيهودية الدولة لن يبقى فلسطينيون فيها، ولذلك أدلى بتعبير خبيث مفاده إن حدود الـ 67 التي أشار إليها الرئيس الأميركي قبل أيام من خطابه، ووافق عليها خالد مشعل رئيس حركة "حماس" أثناء لقاء المصالحة مع "فتح" في القاهرة، غير مقبولة، ولا يوافق على دولة فلسطينية بهذه الحدود، بل يجب إعادة النظر وتبادل السكان لأن ثمة تغييرات ديموغرافية حصلت في السنوات الماضية. يعني يجب نقل السكان الفلسطينيين داخل أرض "إسرائيل اليهودية"، إلى خارجها، لأنها دولة يجب أن تكون نقية، والاستيطان فيها يجب أن يستمر واحتلال المنازل أو تدميرها والبناء مكانها مجمعات سكنية لليهود يجب أن يستمر. وأضاف إلى ذلك أن أي اتفاق يجب أن يلحظ وجوداً عسكرياً إسرائيلياً على المدى البعيد في وادي الأردن. يعني، أنه يجب أن تكون فرق جيش الاحتلال والإرهاب في كل مكان لحماية أمن الدولة اليهودية، ولضمان "حق" التدخل في أي مكان آخر تحت هذا العنوان! وقال نتنياهو، إنه لا يمكن توقيع اتفاق أو الوصول إلى اتفاق مع حركة "حماس" أو مع أي سلطة تتفق معها، داعياً الرئيس محمود عباس إلى تمزيق الاتفاق مع "حماس"، وقد صفق له كثيراً أعضاء الكونجرس وأيده في ذلك أوباما الذي حاول فلسفة خطابه السابق الذي أشار فيه إلى حدود الـ 67 مؤكداً ضرورة التفاوض على الحدود من جديد وموافقاً على كلام نتنياهو في المواضيع الأخرى، وملتزماً باتخاذ كل الإجراءات وتقديم كل الضمانات والمساعدات لحماية إسرائيل وبقائها الدولة الأقوى في المنطقة الممنوع المساس بها، إضافة إلى تحذيره الفلسطينيين من الذهاب إلى الأمم المتحدة والمطالبة بدولة فلسطينية من جانب واحد! وأخطر ما قاله نتنياهو: "إن شباب العرب الشجعان يتظاهرون من أجل المطالبة بالحرية والديمقراطية لمجتمعاتهم بينما يتمتع مليون عربي مسلم في إسرائيل بهذه الحقوق منذ عقود"! وأضاف: "من بين 300 مليون عربي في المنطقة يتمتع نصف في المائة فقط بكل الحقوق الديمقراطية". ليس سراً أن الشباب العربي يناضل من أجل الديمقراطية والحرية والتغيير في البلدان العربية المختلفة. وهذا حق ولا بد لنضالهم من أن يثمر. ولكن ليس صحيحاً أن العرب المسلمين يتمتعون بالديمقراطية في إسرائيل! ولا يمكن لأحد أن ينسى الإرهاب والتمييز العنصري الذي يمارس ضدهم في إسرائيل. ولا أحد ينسى أن إسرائيل استخدمت أجساد الفلسطينيين حقول تجارب لشركات الأدوية، ومنعت النساء الحوامل من الولادة بشكل طبيعي وسجنت بعضهن اللواتي وضعن أطفالهن في السجن، ولا أحد ينسى إذلال الرجال أمام أبنائهم، وقتلهم وخطفهم وسجنهم وسحلهم والدعوات المتكررة إلى إبادتهم من قبل حاخامات وقادة سياسيين وعسكريين! ولا أحد ينسى المجازر الجماعية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في كل مكان والإرهاب المنظم من قبل مؤسسات الدولة الذي مورس ضدهم. ولطالما كانت إسرائيل في موضع الإدانة من قبل دول كثيرة ومنظمات عالمية، بل ولجان إسرائيلية شكلت أمام فظاعة ما ارتكبه جيش الاحتلال بحق الأبرياء. أكبر كذبة أن إسرائيل دولة ديموقراطية. وفي الخطاب ذاته تتأكد الكذبة ذاتها. فالإصرار على القدس عاصمة موحدة لإسرائيل والاستمرار في طرد الناس منها، والإصرار على يهودية الدولة واستمرار مشروع التطهير العنصري ضد الفلسطينيين، هو أكبر دليل على ذلك. مسألة واحدة لا يمكن إنكارها هي أن إسرائيل تعرف تماماً كيف تستغل نقاط ضعف العرب وخلافاتهم وانقساماتهم وسوء بعض أنظمتهم وسوء إدارة معظم قادتهم، وسوء سلوكهم وتصرفاتهم، وكيف تستغل شهوات السلطة عندهم، وتلاقيها في ذلك الإدارة الأميركية بل الإدارات المتعاقبة التي لا تحترم العرب ولا تقيم وزناً واعتباراً لهم. وهي تريد استغلال كل شيء في بلادنا لتحقيق أهدافها وتحويل أرضنا إلى حقول تجارب لسياساتها وأسلحتها الفتاكة. إسرائيل تسعى دائماً إلى تحويل إنجازاتنا إلى نكسات وإلى تحويل هزائمها إلى انتصارات! ولطالما نجحت في ذلك. وإسرائيل اليوم تستقوي رغم كل هزائمها في لبنان وغزة، لأن المشهد العربي الحالي، مفيد لها. توترات هنا وفورات وفورات مضادة لها هناك، دماء هنا، ودماء ودمار وخراب ونزف هناك. مصادرة أموال وتحكم بها وبإنفاقها في ظل قرارات دولية تأكيداً لمقولة بعض الأميركيين ذات يوم: "سنعيد أموال العرب إلى خزائنه الأولى". فأي ديموقراطية وحرية وتنمية ستقوم في ظل الحقد والإفقار ورهن المال والثروات وعلى أنقاض الدول ووحدة الأرض؟ فكيف إذا كنا أمام مشاريع تفتيت على أسس مذهبية وطائفية؟ المسألة ليست مسألة أنظمة جديدة تقوم مكان أنظمة قديمة وهذا أمر محتوم في تاريخ الشعوب والأمم. فالأنظمة كالأفراد تشيخ وتمرض وتموت في النهاية. لكن ما نحن أمامه سيؤدي إلى إعادة رسم خريطة جديدة في المنطقة تقوم على أساسها أنظمة تنطلق في النهاية من نظرية ومعادلة أن مصير الولايات المتحدة مرتبط بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما قال أوباما، وهذا مرتبط بمصير إسرائيل. لكن المصيرين في مثل هذه الحالة سيكونان على حساب مصير العرب. لست أسير نظرية المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية في كل شيء يتعلق بجوانب حياتنا وما تعيشه بلادنا وأنظمتها، لأننا نتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في ممارساتنا التي تؤدي إلى جعل أميركا الأكثر قدرة على التأثير والاستثمار لكل شيء يحصل عندنا ومع أميركا إسرائيل بالتأكيد. لا أدري إذا كان نداء أو موقفاً ينفع بعد في مخاطبة قادتنا. ولا أعتقد أن أحداً هو في موقع تحقيق أرباح. المهم أن نحدّ من الخسائر وهذا بحد ذاته إنجاز لنعيد بناء مجتمعاتنا.