من يستعرض التاريخ المعاصر للحرب المستمرة بين العرب وإسرائيل، يجد أن المتغيرات الأخيرة حولت إسرائيل من "رمز للديمقراطية"- كما يدّعي- البعض في منطقة لا تعرف -حسب كثيرين-سوى الأنظمة الشمولية إلى دولة عنصرية من الدرجة الأولى، فهي التي تدعي قمة الديمقراطية تعلن بكل وقاحة أن إسرائيل ينبغي أن تكون دولة يهودية، وتاريخها يشهد بأنها دولة تعمدت قتل المدنيين في أكثر من واقعة، كما شهد بذلك تقرير الأمم المتحدة. وسجنت آلاف الأسرى في أكبر سجن مفتوح عرفته البشرية في قطاع غزة وحجم هذه المأساة بات واضحاً بعد حركة تركيا المدروسة عبر "سفن الحرية"، وما أعقب ذلك من حراك عالمي ضد إسرائيل. وقد صدمت إسرائيل كثيراً بخطاب الرئيس الأميركي عندما اعتبر الانسحاب إلى حدود 67 مرجعاً أساسياً في علاج الأزمة. وقد بادرت إسرائيل على لسان مسؤوليها إلى رفض جل مقتراحات الرئيس الأميركي علناً، مما زرع فتنة سياسية بين الأب والابن السياسي له في عالمنا العربي، وبهذه المناسبة صرح نبيل شعث أن نتنياهو أعلن الحرب ضد الفلسطينيين. ومن جانب آخر فإن حراك الديمقراطية في العالم العربي، والذي أسقط خلاله الشعب حكومتين حتى كتابة هذا المقال يمثل ضغطاً كبيراً على إسرائيل، فقد بينت التسريبات أن بعض الحكومات العربية كانت قائمة في تحالفاتها الدولية على قاعدة حفظ أمن إسرائيل. الحراك الشعبي العربي، وبالذات في دول الطوق يهدد إسرائيل بحكومات تبحث عن الحرية المفقودة، وهي حكومات ديمقراطية لأنها جاءت تمثيلاً لشعوبها وفق عمليات انتخابية صادقة. لذلك نجد "توماس فريدمان" في مقاله بـ"نيويورك تايمز"، يطالب بمسيرة فلسطينية أسبوعية من رام الله إلى القدس للمطالبة بتحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة مؤكداً أن هذه المسيرة ستستقطب اهتماماً عالمياً كبيراً وستضع إسرائيل في مأزق. قد يقول البعض الآتي: لكن إسرائيل لا يهمها العالم كله، بل هي ساعية لتحقيق أجندها خطوة خطوة بعز عزيز أو بذل ذليل. والدليل ما شهدناه خلال التاريخ الذي عشناه، والرد يكمن في أن العالم لم يعد كما كان، والشعوب المتحضرة حول العالم التي كانت أجهزة الإعلام الخاضعة للمصالح الإسرائيلية تسيرهم كما شاءت، تحررت من تلك الأجهزة، وباتت تقنيات التواصل الذكية، هي المحك في نقل ما يجري من حولنا للعالم. فمع تواصلنا بمن حولنا من شعوب، ومع معرفة حقيقة الكيان الإسرائيلي للعالم كله، باتت الحكومات الديمقراطية تخاف من أن تفقد أكثر مما تربح إن هي أيدت اسرائيل على طول الطريق دون تحفظ، وقد رأى الناس تحولًا في السياسة الأميركية خلال الفترة الماضية، هذا التحول وصل إلى مرحلة القطيعة السياسية بين البيت الأبيض ونتنياهو، كل ما سبق يضع إسرائيل في سجن لن تخرج منه إلا إذا حصلت بعض الأمور. أكثر ما يريح إسرائيل في الفترة القادمة ويقلل الضغط عليها عملية تفجير لمواطنيها داخل القدس، كي تقول للعالم أنظروا مع من نتحالف... أما الأمر الآخر فهو تحرك غير مدروس من الجنوب اللبناني لفك الأزمة الإسرائيلية، وربما عملية أخرى داخل أوروبا على غرار أحداث نيويورك التاريخية، مثل هذه الأمور تحلم بها إسرائيل.