من خلال تتبع سير الأحداث اليمنية التي تنادي فيها جماهير غفيرة من الشعب بإسقاط النظام، يتضح وجود دور فعال للتجمعات الحزبية الإسلامية والحركات والتيارات المرتبطة بها في العملية، هذا بالإضافة إلى دور الحركات والمنظمات الإسلامية التي تعمل في السر. والمقصود بالتجمعات الإسلامية هي تلك التي تعمل تحت طائلة القانون، بمعنى أنها وإلى ما قبل الأحداث الأخيرة كانت تمارس دورها في الترشيح والانتخاب وما ينتج عن ذلك من وجود أعضاء يمثلونها في الهيئة التشريعية. ويعني ذلك أن التجمعات والحركات الحزبية التي تمارس نشاطها في السر، خاصة حركتي "الحوثيين" وتنظيم "القاعدة" مستثناه من الحديث هنا، وينصب الاهتمام على اتساع الجماعات السياسية الإسلامية في اليمن وتراجع دور الأحزاب اليسارية في أعقاب حرب 1992 الأهلية التي كان من نتائجها إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني (الجنوبي) من السلطة. والأحزاب والتجمعات التي نشير إليها هي "الأخوان المسلمين" التي تعتبر أقدم الحركات الأصولية في اليمن، حيث بدأ نشاطه عام 1949، واتحاد القوى الشعبية الذي تأسس في يوليو 1962، و"اتحاد القوى الثورية الإسلامية" الذي تأسس عام 1986، و"تجمع الإصلاح اليمني" الذي تم تأسيسه عام 1990، و"حزب الحقيقة" الذي تأسس عام 1990، وحزب "العمل الإسلامي"، وتوجد في اليمن نحو 15 حركة إسلامية معروفة يتراوح فكرها بين التشدد الأصولي والفكر الإصلاحي، وبعض هذه الحركات لديها برامج سياسية وقواعد شعبية قوية وتنتشر في معظم أنحاء البلاد، في حين أن الأخريات ليس لديها برامج سياسية أو وثائق تنظيمية سياسية أو حتى مقرات رسمية، وبعض منها تمثيله لايزال يتم من خلال أسر بعينها، رغم أن هذا النوع صغير ذو شعبية وأعداد محدودة. قبل توحيد شطري اليمن عام 1990 كانت معظم الحركات السياسية تعمل بشكل سري، وبعد إصدار دستور الوحدة صدر قانون المنظمات والأحزاب السياسية في أكتوبر 1990. وفي مجتمع تقليدي محافظ نسبة الأمية فيه عالية، من الطبيعي أن تنتعش الأحزاب الأصولية المحافظة، خاصة في أوساط الفئات المتدينة. ونتيجة لمحاولة النظام الحاكم ممارسة سياسة اللعب على تناقضات المجتمع وتحريك فئاته ضد بعضها بعضاً، لتحقيق أهدافه السياسية، استخدم الأحزاب الدينية لمصلحته في حربه ضد "اليساريين" والليبراليين على حد سواء. وبرغم ما بدا في مراحل معينة من تراجع للحركات الإسلامية في اليمن، فإن الأحداث الأخيرة ومن قبلها أحداث صعدة، وتزايد نشاط القاعدة والفئات الدينية من الحراك الجنوبي، تعطي مؤشرات على أن الزخم الذي تحظى به تلك الحركات لا يزال قوياً وقد تزيد قوته على ضوء ما يحدث حالياً. والواقع هو أن مؤشرات التراجع السابق تم قياسها من خلال تناقض أعداد ممثلي بعض هذه الأحزاب والحركات في البرلمان. لكن هذا المقياس لايبدو صائباً لأن الأحداث الأخيرة توضح بأن النفوذ الذي تحظى به التجمعات الحزبية الإسلامية في اليمن يبدو قوياً، وهي تحاول في هذه المرحلة الاستفادة من الأحداث لتقوية نفوذها في النظامين السياسي والاجتماعي على أمل إسقاط النظام الحاكم ومن ثم إقامة الدولة الإسلامية المنشودة. ويدل الرفض الذي تبديه بعض هذه التجمعات والأحزاب لمبادرة مجلس التعاون بأن الأجندة التي تحملها حالياً بعيدة جداً عن إعادة الحياة الطبيعية إلى اليمن على أمل أن يحدث ما هو أبعد من ذلك وفقاً لأهدافها وتطلعاتها واستراتيجيتها الخاصة. فهل يتحقق لها ذلك؟ إن غداً لناظره قريب.