ثمة دول تلحق الضرر بنفسها عبر إخفاقها المتكرر في التعامل مع العالم نتيجة سياسات "دونكيشوتية" تؤدي بها إلى حالة تصبح معها وحيدة مدانة، بل وربما منبوذة، حتى من أصدقاء أو حلفاء الأمس. وتأتي "دولة إسرائيل" لتحتل أدنى مستوى في التعامل مع الآخر: دولة محتلة، باطشة، تقيم جداراً عنصرياً عازلاً رغم حكم محكمة العدل الدولية الرافض لذلك، وتبني المستعمرات (المستوطنات) وتوسعها بالقوة، تقتل وتدمر وتعتدي، لا تهتدي بأي بوصلة لحقوق الإنسان، حتى بات عديد المفكرين والسياسيين الإسرائيليين واليهود يحذرون من تفاقم عزلتها على الساحة الدولية بعد تطابق صورتها تقريباً مع صورة جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري (الآبارتايد). ورغم كون إسرائيل تحظى بمرتبة مميزة عند الغرب المدافع عنها، وأحياناً عن جرائمها الاحتلالية والعنصرية، فإن سجلها حافل بأنواع الانتهاكات التي أضحت شبحاً يطارد قادتها. كذلك، أصبح العالم يرى في إسرائيل الدولة الرافضة للسلام، الباحثة عن إدارة الصراع وليس حله، وبالتالي البقاء في حالة من اللاحرب واللاسلم، تسرّع تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي عبر الاستيلاء على المزيد من الأرض الفلسطينية، والدفع "الناعم" أو "الخشن" لتهجير الفلسطينيين. لقد تزايد إدراك الكثيرين في العالم حقيقة أن إسرائيل بطبيعتها مشروع استعماري، وأنها لم تتبن يوماً أي خطة جدية تستهدف "حل" الصراع سلمياً وعلى قاعدة الشرعية الدولية. والحال كذلك، لم يكن غريباً أن تحتل مكانة أولى بين الدول "الأكثر إثارة لكراهية الناس لها". فقد أبرز استطلاع للرأي شمل 27 دولة في العالم وشارك فيه قرابة 28 ألف شخص، أن إسرائيل من الدول الأكثر إثارة لمشاعر الكراهية. فقد أجرى "معهد غلوبسكان" هذا الاستطلاع لمحطة "بي بي سي" البريطانية، حيث عبر 49 في المئة من المستطلعين عن موقف سلبي حيال إسرائيل، فيما أيدها 21 في المئة فقط. كما أكد الاستطلاع ما هو معلوم للجميع، من أن أكبر دعم لإسرائيل هو في أوساط مواطني الولايات المتحدة (43 في المئة)، بينما أبدى 41 في المئة من الأميركيين موقفاً سلبياً تجاه إسرائيل، وهو أمر لافت. وعلى صعيد مواطني الدول الأوروبية، شكل الجمهور الروسي أكبر الداعمين لإسرائيل بنسبة 35 في المئة، بينما لم تتجاوز النسبة في الدول الأوروبية الرئيسية 15 في المئة. أما على صعيد الدول الأفريقية فجاء مواطنو جمهورية غانا في الترتيب الأول دعماً لإسرائيل بنسبة 32 في المئة، فيما جاء الصينيون في الترتيب الأول بين الدول الآسيوية حيث وصلت نسبة الدعم إلى 32 في المئة. هذا الاستطلاع يؤشر إلى فشل حملة العلاقات الواسعة التي أعدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية لتحسين سمعة الدولة الصهيونية، خاصة في القارة الأوروبية، وبالذات إثر العدوان على قطاع غزة في نهاية عام 2008، والهجوم على أسطول الحرية التركي وهو في طريقه إلى القطاع قبل عام من الآن، وتداعيات استمرار السياسات الاستيطانية الإسرائيلية وما يجري من تهويد للقدس. بل لقد تفاقم الأمر مؤخراً بعد تشكيل إسرائيل وحدة خاصة داخل هيئة الاستخبارات العسكرية تُعنى بالمراقبة والتجسس على نشطاء الحركات اليسارية العاملة في العالم (وفي إسرائيل أيضاً) على نزع شرعية هذه الأخيرة. وهو ما عبر عنه صراحة نتنياهو في مطلع الشهر الجاري حين زعم إن "ظاهرة العداء للسامية تتجدد وتنتشر وتتسع، وتتحالف قوى مختلفة وتغرق العالم بعداء للسامية قديم ممزوج بعداء للسامية جديد. وكراهية اليهود ورفض وجودهم تحولت إلى كراهية تجاه دولة اليهود ورفض وجودها"! وفي ذلك يقول "إيزي لبلار" في مقال حديث له: " لم نكن قط في عزلة كهذه! وإذا استثنينا الولايات المتحدة ودولاً مثل كندا وأستراليا، فقد تخلى الأوروبيون عنا حيث باتت ترانا استطلاعات الرأي العام عندهم كتهديد للسلام العالمي أكثر من دول مثل إيران وكوريا الشمالية وليبيا. فالحملة الدعائية العالمية لإساءة سمعتنا باعتبارنا مجرمي حرب، ما تزال موجودة في الأمم المتحدة، وأصبحت عملية سلبنا شرعيتنا حملة دعائية دولية مقصودة". أما "عاموس جلعاد"، رئيس الطاقم الأمني السياسي في وزارة "الدفاع" الإسرائيلية، فيرى أن "عدم قيام إسرائيل بطرح مبادرة سياسية حتى شهر سبتمبر، سيكون أشبه بالذهاب إلى مناطحة الرؤوس في الحلبة الدولية، الأمر الذي يعتبر خطيراً للغاية". ومؤخراً، اعتبر إيهود باراك أن استمرار الجمود في عملية السلام يؤدي إلى عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، متوقعاً تزايد المظاهر المناوئة لإسرائيل دولياً. وأضاف باراك: "إٍسرائيل تواجه "تسونامي سياسياً"، والجمهور لا يدرك ذلك. إن عملية نزع شرعية إسرائيل تلوح في الأفق، وهي عملية تعتبر خطيرة جداً وتتطلب العمل على مواجهتها"، محذراً من "دفع إسرائيل إلى الزاوية التي بدأ فيها تدهور جنوب أفريقيا". وفي الوقت الذي تتجاهل فيه الدولة الصهيونية كتابات إسرائيلية متزايدة عن أن سبب ما تواجهه من "نزع للشرعية" عنها إنما هو ناجم عن سياساتها الاحتلالية والعنصرية، وصل الأمر بالسياسي الإسرائيلي "آري شافيت"، وهو يقارن بين عام 2011 وبين أسوأ نكسة عسكرية واجهتها إسرائيل في حرب 1973، للقول إن "العام الحالي سيكون مثل عام 1973 دبلوماسياً. فكل قاعدة عسكرية (أو "مستوطنة") في الضفة الغربية ستنتهك سيادة دولة (فلسطين) المستقلة العضو في الأمم المتحدة. وستجد إسرائيل نفسها مقيدة بين حصار دبلوماسي خارجي وانتفاضة مدنية من الداخل". وهنا نستذكر مقابلة "شلومو زانت"، أستاذ الدراسات التاريخية بجامعة تل أبيب، مع صحيفة ألمانية، حيث قال: "إن إسرائيل طفل لقيط ولد نتيجة عملية اغتصاب لحقوق المواطنين العرب"، مضيفاً: "حان الوقت لإسرائيل كي تعترف رسمياً بأن تأسيسها أدى إلى نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده، واليهود مطالبون أخلاقياً وسياسياً بتحمل المسؤولية الكاملة عن ما تعرض ويتعرض له الفلسطينيون من معاناة". إن أحدث مثال على صورة إسرائيل الراهنة، ما قامت به في ذكرى النكبة الـ63، حيث مارست، أمام العالم أجمع، سياستها الإجرامية ضد أبناء الأراضي المحتلة في الهضبة السورية وفلسطين وجنوب لبنان، فيما استعاد اللاجئون الفلسطينيون -بتحركهم الجماهيري- المعاني والعبر التي لطالما قدمها الشعب الفلسطيني للأمة العربية. ذلك أن الحراك الشعبي للاجئين الفلسطينيين نجم عن استمرار تنكر إسرائيل للقرارات الدولية ومواصلة اغتصابها للأرض والحقوق وتهربها من استحقاق "السلام العادل والشامل".