مع كل جمعة يتحرك ميزان القوى بين نظام الحكم وشعبه في بعض الدول العربية، كما يتغير شكل العالم العربي وطرق تفكيره. ويقع تقدم في حشد المجتمع وتكثيف قضاياه، فتتحول اللحظة إلى عاصفة لا تتوقف، لحظة وعي تنبثق من جيل تتجدد ولادته. المشهد سريع في تعبيراته، عشرات الشبان يسقطون قتلى كل جمعة في مجتمعات عربية من ليبيا إلى اليمن وسوريا، وفي الأسبوع الماضي انضم إليهم ستة عشر شهيداً عبر الحدود مع فلسطين وفي مناطق الاحتلال الإسرائيلي. هذا العام (2011) هو الأهم في التاريخ العربي الحديث، وقد لا ينتهي دون قيام واقع جديد. الشعوب تريد صناعة سياساتها وصياغة أنظمتها على صورتها، وفي هذا السبيل أطلقت احتجاجاتها، فأصبحت أمراً واقعاً يضيف للتجربة الإنسانية. البداية كانت باحتجاج على سوء معاملة، لكن رد فعل الأجهزة الأمنية حولها إلى وقود لمزيد من المطالب. إن أكثر الناس ابتعاداً عن المشاركة يتحولون إلى الاحتجاج، وأكثر الناس كرهاً للسياسة ينزلون إلى الميادين والساحات. والواضح أن الشعب في ليبيا دفع ثمناً كبيراً لتحرره، لكنه يقترب من انتصاره ونيل حريته، والشعب في اليمن يقترب من حسم معركته في مشهد سلمي إنساني يوضح مدى إبداع اليمنيين في مواجهة التحديات، أما في سوريا فالمعركة مفتوحة وتعكس مدى جرأة الشعب السوري. وفي كل من مصر وتونس، حيث انتصرت الاحتجاجات العربية الأولى، أصبحت إدارة ما بعد مبارك وبن علي، وتحقيق التقدم نحو بنيان جديد هما المحك الرئيسي. التحركات الشعبية تفرز واقعاً متحركاً في كل لحظة، ومخاضاً يتغير في توجهاته مع كل جمعة. هذه ظاهرة تساؤل وبحث عن الطريق. في تونس ومصر سيجد الناس طريقهم بعد مرحلة من التخبط. سيبقى انتخاب مجالس منتخبة جديدة ورؤساء جدد أمراً أساسياً ومفصلياً في دخول المرحلة الجديدة. أما في بلدان عربية أخرى فمواجهة التحدي مرتبطة بمدى مقدرتها على إدارة دفة الإصلاح الذي أصبح مطلباً، وإن لم يخرج إلى السطح في العديد منها. لكنه مطلب ينتشر في أماكن كثيرة، وتتأثر به أندية التواصل الاجتماعي والمدونات الإلكترونية. ومؤخراً عبر مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني السابق، في معرض وصفه الحالة الأردنية في مقال له، عن طبيعة الدور الذي تلعبه القوى والأجهزة المحيطة بالملك في إيقاف عجلة الإصلاح، وذلك رغم قرارات ذات طابع إصلاحي سبق للملك أن اتخذها. ومنذ أيام قرر مجلس التعاون الخليجي دعوة كل من المغرب والأردن للانضمام إلى المجلس. واللافت في هذه الدعوة رد فعل المجتمعات التي تناول كتابها ومدونوها أهمية وجود نقاش عام وتمهيد وطريقة لاستفتاء الرأي العام في المسائل الحساسة. هذا النقاش يعكس تغير نظرة الشعوب إلى نفسها وإلى طريقة صنع القرار في بلادها. العرب في طريقهم لتكوين رأي عام ناقد للسياسة ومؤثر في صنعها، وهذا يمهد لخروج السياسة العربية من الغرف المغلقة وقاعات المؤتمرات النخبوية إلى وسائل الإعلام والساحات العامة والنقاش المفتوح. ووسط التحول العربي الجاري سيجد كثيرون أنهم مضطرون للمواكبة، فالشعوب تتغير، أما الانتظار والمناورة والالتفاف على المشكلة... فلم تعد أسلوباً نافعاً في الزمن العربي الحالي. د. شفيق الغبرا كاتب من الكويت ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"