على مدار الأسبوع الماضي تبارى حدثان أساسيان في الشرق الأوسط على استقطاب اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام على حد سواء، فمن جهة كان الخطاب المهم الذي ألقاه أوباما حول المنطقة، ومن جهة ثانية كان إحياء يوم النكبة الفلسطينية عندما هُجر مئات الآلاف من الفلسطينيين، أو هربوا خوفاً على مصيرهم بعد قيام إسرائيل في عام 1948، مع كل ما نتج عن ذلك من مصادرة للأراضي العربية وإزالة المئات من القرى والبلدات الفلسطينية من الخريطة. ومن بين هذين الحدثين تبقى النكبة هي الأكثر أهمية لما يمثله فهمها من إدراك شامل لمجمل المأساة التي لحقت بالشعب الفلسطيني. هذا بالإضافة إلى دور النكبة في إلقاء الضوء على السياق العام الذي نشأت فيه إسرائيل، وما صاحب ذلك من تطهير عرقي وترويع لشعب كان يقطن الأراضي الفلسطينية قبل قدوم اليهود. وإزاء معاناة الفلسطينيين التي انطلقت ابتداء من عام 1948 تروج إسرائيل لأطروحة مغايرة تنبني على التضليل وتزييف الواقع كما تحمل الفلسطينيين مسؤولية الهروب، أو الخروج طواعية من قراهم وأراضيهم بطلب من البلدان العربية فيما كان قادة إسرائيل، حسب هذا الزعم، يعرضون عليهم البقاء. وعلى رغم ما يتيحه إحياء ذكرى النكبة من فرص لإعادة قراءة التاريخ وانخراط وسائل الإعلام الغربية في عملية نقد وتحليل موضوعي للأحداث التي رافقت قيام إسرائيل، والألم الذي سببه ذلك لمئات الآلاف من الفلسطينيين، إلا أن هذه الفرصة تهدر كل عام ليركز الإعلام على مواضيع وقضايا أخرى. وقد ظهر إهمال الإعلام الأميركي للقضية الفلسطينية عندما قتل الجنود الإسرائيليون عشرات الأشخاص الذين خرجوا في مسيرات في قطاع غزة ومرتفعات الجولان والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل إحياءً ليوم النكبة، إذ اكتفى الإعلام الأميركي بتغطية تعليق نتنياهو على رد إسرائيل العنيف على المتظاهرين بأنه يحق لها حماية نفسها وصيانة سيادتها. ولكن في مقابل هذا التجاهل لما يجري على الأراضي الفلسطينية من تجاوزات وعدم التطرق إلى النكبة الفلسطينية التي شردت شعباً بكامله حظي خطاب أوباما حول الشرق الأوسط في 19 مايو الجاري بتغطية مكثفة، بحيث ركزت جل التحليلات والمقالات الصحفية على تأييد أوباما لحدود عام 1967 وإن كان من الخطأ الإشارة إليها كحدود ما دامت القرارات الأممية تحيل إليها باعتبارها خطّاً فقط. وأفاضت الصحف الأميركية في التركيز على أن الخط سيكون الأساس الذي ستقوم عليه الدولة الفلسطينية، وعلى أن إعلان أوباما التمسك به أمر جديد فيما الحقيقة تقول إن خط 1967 كان من السياسات الثابتة للرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة نفسها بالإضافة إلى روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بل حتى قبل ذلك أقرته الشرعية الدولية ممثلة في القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن في عام 1967 ووافق عليه الأعضاء الخمسة الدائمون وفق صيغة "الأرض مقابل السلام"، التي تعني انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عام 1967 مقابل اعتراف العرب بإسرائيل وإنهاء حالة العداء في أفق التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي. وقد حاولت وسائل الإعلام الأميركية في معرض تطرقها لخطاب أوباما تصويره على أنه تنازل كبير وخطوة جريئة قامت بها الولايات المتحدة عندما أشار أوباما بوضوح إلى حدود عام 1967 وبأنه بذلك اقترب أكثر إلى الموقف الفلسطيني وابتعد عن الرؤية الإسرائيلية! والحال أن الموقف الفلسطيني يؤيده أغلب عناصر المجتمع الدولي بما في ذلك الاتحاد الأوروبي. ولذا لا يعكس تأكيد أوباما على خط 1967 ابتعاداً عن الموقف الإسرائيلي بقدر ما يعكس انسجاماً أكبر مع الموقف الدولي الذي تسانده الشرعية. وحتى عندما أشار أوباما إلى حدود 67 باعتبارها أساس الدولة الفلسطينية، التي فسرت على أنها في غير صالح إسرائيل، قدم في المقابل تنازلات كبرى للدولة اليهودي تكاد تنطبق مع شروطها فقد ساند دعوة إسرائيل إلى قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح ورفض التعامل مع "حماس" كمحاور، هذا بالإضافة إلى سكوته المطبق على استمرار الاستيطان في الضفة الغربية والقدس والتزامه الثابت بأمن إسرائيل، دون أن ننسى الالتزام الآخر بمعارضة قرار الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر المقبل. هذا ولم تكف وسائل الإعلام الأميركية عن تصوير خطاب أوباما على أنه ضربة قوية لنتنياهو وإسرائيل فيما الحقيقة مغايرة تماماً، وأكثر من ذلك فقد أعفى أوباما إسرائيل وهو يتحدث عن وقوفه إلى جانب الشعوب العربية التواقة إلى الحرية وتنديده بالاستبداد والقمع الذي تمارسه بعض الأنظمة ضد شعوبها، من أي مسؤولية لها عن التنكيل بالفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم وكرامتهم. كما نسي أوباما على ما يبدو، وهو يكرم محمد البوعزيزي الذي أشعل فتيل الثورة في تونس ويستنكر "الإهانات التي يخضع لها كثير من الشعوب يوميّاً في مختلف أنحاء العالم" أن ما يتحدث عنه ينطبق تماماً على الشعب الفلسطيني الذي يعاني الإذلال والقهر تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولعل المثير في خطاب أوباما ورد فعل نتنياهو عليه ليس فقط انحيازه السافر لإسرائيل، بل عدم قدرتهما معاً على قراءة المتغيرات الجديدة في الشرق الأوسط والربيع العربي الذي غير معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، إذ لم يعد القادة وحدهم، في ظل الأنظمة الديمقراطية التي سترى النور قريباً في المنطقة، هم من يتخذون القرارات بمنأى عن الشعوب كما كان يفعل السادات ومبارك، بل لقد باتت الشعوب رقماً أساسيّاً في المعادلة وسيتعين على القادة الجدد في المنطقة الاعتماد على آرائها لصوغ سياساتهم، وهذا ما تبدى بالفعل من خلال المظاهرات الحاشدة التي نظمها المصريون أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة والتصريحات التي أطلقها المرشحون للرئاسة في مصر بأنهم سيتدخلون في غزة لحماية الفلسطينيين في حالة أي عدوان إسرائيلي على القطاع. ولذا فليس غريباً أن تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة للوقوف إلى جانب مبارك لولا يقظة الشعب المصري وإصراره على نفض الاستبداد والتبعية.