??ستمر أيام الاحتجاجات العربية بعد أشهر أو أكثر وقد تحدث تغييراً في الدول العربية، وستدخل المنطقة مرحلة جديدة مختلفة عن المرحلة السابقة، وستتغير بعض مواقع أحجار الشطرنج على رقعة الوطن العربي. ستفرح شعوب بنجاح احتجاجاتها وستحزن أخرى، وسيفرح محتجون بانتصارهم وسيبقى الحزن في قلوب من فقدوا أقارب لهم في خضم المواجهات، وستحزن شعوب لأن قطار "التغيير" قد فاتها، وستندم شعوب أخرى لأن التحاقها بالقطار لم يكن مبرراً. فحركات الاحتجاج فيها أشياء وأشياء، وكما يقول الفرنسيون "الثورات هي الأزمنة التي لا يطمئن فيها الفقير إلى نزاهته، والغني إلى ثروته، والبريء إلى حياته".?? ?لقد? أكمل الحراك العربي شهره الخامس، وكما أن هناك دولاً مكتوب عليها الاضطراب غالباً، فهناك أيضاً دول بمنأى عن هذه الحالة. لكن ثمة أيضاً دول ما تزال على قائمة الانتظار، أما الدول التي لن تصلها رياح الفوضى فمطالبة بالانسجام مع التركيبة العربية الجديدة. أحجار الشطرنج تتحرك ومراكز القوى تتبدل وبالتالي فالتركيبة السياسية للمنطقة العربية تتغير جزئياً، ومن المهم أن تنسجم معها جميع الدول العربية. أما الشيء المؤكد فهو أنه على جميع الدول العربية، سواء تلك التي تغيرت أو تلك التي حافظت على وضعها كما هو، أن تتكاتف وأن تقف إلى جانب بعضها في تشكيل الوطن العربي الجديد، فالمتربصون كثر، خارجياً وداخلياً، ولابد من التعامل مع الأمور بشكل عقلاني ومن منطلق المصلحة العامة، فقد يتطلب الأمر تضحية من بعض الأطراف، رغم تحفظ البعض على ما يحدث من حراك، إلا أن خيارات الجميع لا تبدو كثيرة جداً. الاحتجاجات والاعتصامات ليست نزهة ينصب من خلالها المواطن العربي خيمته الصغيرة في أي مكان ثم يخرج ليتظاهر ويعود بعد ذلك، ففي الأمر كثير من المجازفات والمفاجآت السارة. وقد تنجح الاحتجاجات وقد لا تنجح، لكنها نادراً ما تتمكن من تحقيق أهدافها. فعلى من يختاروا هذا الطريق أن يتمتعوا بنفس طويل، وهذا ما يبدو واضحاً من بعض التجارب العربية هذه الأيام؛ فقد أكمل الشعب اليمني أربعة أشهر من الاحتجاجات السلمية، كما يواصل الشعب السوري تظاهراته رغم سقوط أكثر من 1100 قتيل، أما الشعب الليبي فجرّه القذافي إلى حرب داخلية وتدخل دولي وراح منه آلاف الشهداء، وما يزال مصراً على نيل حقوقه وإقامة دولة عصرية يحكمها القانون والدستور والبرلمان. أما المصريون والتونسيون الذين انتهوا من احتجاجاتهم المشهودة سريعاً فيعملون بصعوبة على ترتيب أوضاعهم الداخلية، وقد اكتشفوا أن ما بعد إسقاط النظام أصعب مما قبله، وكما يقول المثل: "الثورات يصنعها الحكماء ويجني ثمارها الجبناء"، وما أكثر هؤلاء الذين يتسلقون على أكتاف التغيير وعلى أكتاف من خاضوا المواجهة فيجنون ثمارها وكأنهم هم من أشعلها!? ?الرئيس الأميركي أوباما يريد هو أيضاً أن يجني ثمار التغيير الذي حدث ويحدث في بعض الدول العربية، فخلال كلمته الموجهة إلى شعوب الشرق الأوسط منذ أيام، تكلم طويلاً عن ذلك التغيير وأبدى إعجابه الشديد بشباب الدول العربية. وأكثر ما كان ملفتاً في ذلك الخطاب قوله بأنه سيدعم كل تحرك لتحرر الشعوب، ولا يبدو أنه كان بحاجة ليقول ذلك، فقد تخلى عن أقرب حلفائه العرب، وهو مبارك، وقبله بن علي، وبعدهما صالح. ومبرر أميركا المعلن أنها تريد نشر الديمقراطية في المنطقة العربية، وبالتالي فهذه أفضل فرصة لنشرها، فقد أتى التغيير من الداخل العربي وبأيدي عربية! ? وفي خطابه أمام مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين يوم الثلاثاء الماضي تكلم أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الحراك العربي وعن شباب الاحتجاجات وكأنها احتجاجاته! وبشّر الأميركيين بأن هذا الحراك سيجلب الديمقراطية للمنطقة التي لا توجد فيها غير ديمقراطية إسرائيل! الكل إذن يهاجم الأنظمة العربية، والكل يؤيد حركات التغيير العربية ويتأثر بها، لدرجة أن الإسبان بدؤوا ثورة سلمية لتغيير حكومتهم متأثرين بما يحدث في المنطقة العربية. الكل ينظر بإيجابية للحراك العربي الحالي. إن ما وصلت إليه بعض الدول العربية يجعل الكثيرين يتعاطفون مع شعوبها المحتجة ويقفون إلى جانبها، حتى بعض الجيران أصبحوا رسمياً يدعمون تلك التغييرات. لكن ?ما لا تريد أن تفهمه بعض الأنظمة العربية، هو أن أساليب القمع والقتل والفساد أصبحت بحجم لا يمكن لشعوبها تحمله، وبالتالي عليها أن لا تلوم الشعوب عندما تتظاهر، كما أنه عليها أن لا تتوقع من هذه الشعوب أن ترجع من حيث أتت إذا ما خرجت وصرخت في وجه النظام. لكن حين تنحرف الاحتجاجات عن وطنيتها وسلميتها فإنها بالتأكيد ستخسر أهدافها وسيتخلى عنها الجميع.