كنت أتمنى أن أشير في هذا المقال إلى أن المرحلة الحرجة في الأزمة السياسية اليمنية الحالية قد أصبحت في "خبر كان". لكن الرئيس اليمني كان له رأي آخر في رفضه التوقيع على المبادرة الخليجية، التي كانت ستوفر له مخرجاً سياسياً. وبدلاً من أن تتحول المبادرة إلى مسألة إجرائية بعد توقيع الرئيس صالح، علّقتها دول التعاون بعد تردد الرئيس في التوقيع. الجميع كان يبني على أن الوساطة الخليجية هي بداية النهاية للأزمة السياسية في اليمن، والتي تسير وفق وتيرة تشير إلى أنها قد تقدم على المجهول، وأن تداعيات الأزمة ستتجاوز اليمن. المبادرة في بدايتها أعطت الكثير من الأمل لليمنيين ولدول الجوار، باعتبار أن اليمن دولة مهمة للإقليم وللعالم. الكل يريد الخروج من هذا النفق ويريد الحفاظ على اليمن؛ لذا شعرنا بأن الجميع تقريباً سُرَّ بها وقبلها وأعطاها أهمية، حتى تلك الآراء المتحفظة عليها والرافضة لها. الرئيس اليمني نفسه رغم أنه سماها "انقلاباً" على الشرعية، ورغم تردده في التوقيع عليها كلما زاره الأمين العام لمجلس التعاون الذي خاض أول اختبار له في منصبه الجديد ونجح بهدوء أعصابه، فإنه -أي صالح- قبل بها، وهذا ما يحير المراقبين للوضع اليمني، ولم يجدوا أي تفسير أو مبرر لمواقفه الرافضة حتى الآن، سوى القول بأنه مرتبك! دخول الخليجيين الأزمة الحالية في اليمن يأتي من منطلق خوفهم مما سيترتب عليه الوضع في ظل تصاعد العنف. فلم يكن من المناسب أن تقف دول الخليج موقف المتفرج في أزمة قد تربك استقرارها، خاصة وأن اليمن لديه من الأزمات السياسية والأمنية التي ستكون لها تداعياتها على دول الخليج. ومن ناحية ثانية، هناك عامل معنوي متعلق بجارٍ ينتظر "فزعة" إقليمية بعد أن احتار السياسيون أمام تفاقم أزمته، وبقي الوضع على تمسك كل طرف بموقفه، فكان لابد من طرف ثالث يفك حالة الجمود هذه. ويمكن تصنيف القرار الخليجي بتنحي الرئيس، كما يطالب الشعب اليمني، بأنه كان قراراً صائباً من كل النواحي، وأقلها أنه اختار اليمن وشعبه وهو الأبقى. وكان من الحكمة بالنسبة للرئيس صالح أن يساعد الخليجيين ويختار المبادرة التي مثلت مخرجاً سياسياً له، بدلاً من إلقاء اللوم على دول الخليج واتهامها بالسعي لانقلاب عليه، ومحاصرة الدبلوماسيين في سفارة الإمارات. بقليل من التفكير، يمكن القول إن صالح ارتكب مغامرة سياسية مرتين: الأولى عندما أقدم على قتل المعتصمين فتسبب ذلك في حدوث انشقاقات في الجيش والشعب. والثانية، عندما رفض التوقيع على المبادرة الخليجية وهي مدعومة من دول العالم، وبذلك عزل نفسه سياسياً في الداخل والخارج وبات رحيله مسألة وقت. هناك أحاديث كثيرة حول مصير المبادرة الخليجية؛ بعضها رسمي، بأنها آلت إلى الفشل. لكن ما يجب التركيز عليه هنا أن تبقى دول مجلس التعاون الخليجي على تواصل دائم مع اليمن الجار، والذي لطالما مثل مصدر إزعاجات أمنية. وما يجب التركيز عليه أيضاً أن العمل الدبلوماسي، خاصة في أثناء الأزمات السياسية الداخلية، محفوف دائماً بالتعثر، وما حصل للمبادرة الخليجية أمر متوقع لعدم جدية الرئيس صالح. والمحصلة أن المبادرة الخليجية هي تجربة إقليمية حديثة وجريئة وجديرة بالاهتمام، وقد فتحت الأبواب للتفكير في إعادة ترتيب العلاقة الخليجية اليمنية مستقبلاً، بعد أن صار اليمن عبئاً بأوضاعه الحالية.