منذ أن أعلن قادة مجلس التعاون الخليجي عن ترحيبهم بانضمام الأردن إلى عضوية المجلس، ودعوتهم المغرب للانضمام إثر تفاهمات مسبقة معه، وردود الفعل على المستوى الخليجي تكاد لا تتوقف بين أكثرية متحفظة وأقلية مؤيدة وأخرى تتساءل بحيرة عن جدوى هذا الحدث المفاجئ للخليجيين نخباً وجماعات وأفراداً. ورغم حرص الأمين العام لمجلس التعاون على تضمين ديباجة القرار مبرراته متمثلة في تدعيم وشائج القربى والمصير المشترك ووحدة الهدف، وتوطيد العلاقات والروابط والتنسيق والتعاون والتكامل بين المجلس والعضوين الجديدين، من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة، إضافة إلى أن توسيع العضوية الخليجية لاستيعاب العضوين الجديدين يخدم قضايا العرب والمسلمين ويحقق الأهداف السامية للأمة العربية. إلا أن هذه المبررات لم تقنع المتسائلين: لماذا الإعلان وفي هذا الوقت بالذات عن فتح باب العضوية الخليجية المغلقة على الأعضاء المؤسسين منذ 30 عاماً، تاريخ قيام المجلس في "قمة أبوظبي" عام 1981، والذي تحل ذكرى تأسيسه اليوم، حيث استضاف المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، إخوانه قادة الدول الخليجية، وترأس ذلك الاجتماع التاريخي المفصلي والذي انبثق عنه مجلس التعاون الخليجي؟ كانت الظروف قبل 30 عاماً تحتم قيام المجلس، وكان الترحيب الشعبي كاسحاً وكانت المبررات مقنعة ومؤيدة من قبل الشعب الخليجي كله. كان في شمال الخليج يتعاظم الدور العراقي الاستفزازي لدول الخليج وقادتها إثر انكفاء الدور المصري بعد اتفاقية "كامب ديفيد" 1978. وفي جنوب الخليج كان هناك التمرد الظفاري اليساري المدعوم من التحالف الثلاثي: اليمن وليبيا وإثيوبيا، وكانت حركات المعارضة اليسارية والقومية والبعثية ناشطة في المنطقة، إضافة إلى سقوط نظام الشاه وتفرّغ إيران لتصدير الثورة إلى بلدان المنطقة، وكانت هناك الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها على أمن الخليج وعلى حدوده الجغرافية المتوارثة، طبقاً لعبدالله بشارة في سِفره الضخم "يوميات الأمين العام لمجلس التعاون". ذلك تاريخ مضى، لكن ما مبررات ودوافع توسيع المنظومة الخليجية اليوم؟! هناك المشككون الذين يرون استحالة تحقيق القرار بالصورة المعلنة إلا في إطار آخر غير إطار المجلس، وهم يرون في القرار رسالة سياسية إلى الدول الإقليمية، لا رسالة واقعية مبنية على معطيات وعناصر مشتركة، بل ويرون في تحقيق القرار "بداية النهاية للمجلس"، ومن هؤلاء من يرى في انضمام العضوين الجديدين عبئاً على كاهل الخليجيين، وأن الخليجي سيواجه منافسة غير عادلة في سوق العمل أمام الأردنيين والمغاربة. كما أن هناك من يخشى من تداعيات غير محسوبة تشكل جبهتين جديدتين على المجلس هما: فلسطينيو الأردن واتفاقية السلام، فهل المجلس مستعد لمواجهة استحقاقاتهما؟ ويتخوف البعض على كيان المجلس وعلى الحكمة الخليجية، ويرى أن الأجدى تعزيز العمل المشترك بدعم الجامعة. بينما يتساءل آخرون: هل هو تكتيك أم استراتيجية؟ وفي المقابل يرى آخرون في القرار مبادرة جريئة تقوم على استراتيجية تتحوط للأخطار والمتغيرات ويدعون إلى اغتنام الفرصة التاريخية، فكما توجد فرص للتغيير في بعض الدول العربية فإن هناك فرصاً للاتحادات والتكتلات الإقليمية. ويقترب من هذا الرأي من ذهب إلى أن القرار خطوة استباقية في ظل تبدل الحقائق على الأرض. كما أن هناك من يطالب بضرورة تمكين "البيت الخليجي" أولاً، بل يبالغ بعضهم في المطالبة بضرورة مراجعة الدعوة وطرحها للنقاش العلني، لكن هناك من رحب بها ورأى فيها دليل نضج وتحركاً إيجابياً بعد 30 سنة من عمر المجلس. وأخيراً ثمة من يرى أن على المجلس تحقيق وجوده الداخلي أولاً قبل التوجه إلى الوجود الخارجي. وبطبيعة الحال لا أستطيع في هذه المقالة حصر واستقصاء توجهات الخليجيين، لكن المتحصل من النقاشات الدائرة حول المبررات والجدوى والتداعيات المترتبة على توسيع المجلس، أن ثمة اتفاق على ضرورة القيام بمشاورات على مستوى الهيئات الممثلة للشعوب الخليجية وبخاصة في أمر مصيري يمس حقوق وامتيازات كل مواطن خليجي، مثل هذا الأمر. وإني إذ أرى وجاهة هذا الاتفاق وأؤكد ضرورة إعداد وتهيئة الرأي العام الخليجي لتقبل مثل هذه الخطوة بعيدة المدى، والتي لها أبعادها المتشابكة والمعقدة وذلك ضماناً لنجاحها، وحتى لا تراجع كالاتحاد المغاربي ومجلس التعاون العربي الذي تبخر، فإني أتفهم العوامل الضاغطة على متخذي القرار، ومنها: التغييرات التي أثرت على أركان النظام العربي الموروث، المخاطر المحدقة بالخليج، تراكم السلاح على الضفة الأخرى، التدخلات السافرة في الشأن الداخلي، اهتزاز الوثوق بالحليف الأميركي المتقلب على تحالفاته، انكفاء الدور المصري، انشغال الدول العربية الكبرى بأوضاعها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك عامل جديد طارئ، وهو أن قادة التعاون وانطلاقاً من مسؤولياتهم الوطنية والخليجية والقومية يؤمنون بأن المنظومة الخليجية هي وحدها المؤهلة حالياً للقيام بدور إيجابي لحماية المصالح العربية العليا في ظل الفراغ العربي الناشئ عن التغيرات الجديدة، وتمثل ذلك في "درع الجزيرة" بالبحرين، وحماية الشعب الليبي من نظامه القمعي، والوساطة في اليمن، ومشروع الدعم الاقتصادي الخليجي لمصر. لكن من مستلزمات الدور الفاعل ضم العضوين الجديدين كونهما عمقين حيويين كبيرين ومستقرين، وتلك خطوة استراتيجية تحسب للقادة.