قد نكون القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم، ولكننا لم نكن إلا عاملاً ثانوياً في موجة التغيير التي تجتاح العالم العربي. فقد شهدت تونس ثورتها بدون مساعدة أميركية، اللهم إلا إذا احتسبنا فيسبوك وتويتر. وفي مصر، ربما يكون أوباما قد ساهم في تسريع رحيل مبارك عبر سحب دعمه للنظام، ولكنها كانت إرادة المصريين، وليست إرادتنا. وفي هذه الأثناء، يقوم النظام في سوريا بإطلاق النار على المتظاهرين على الرغم من زيادة العقوبات المالية الأميركية؛ في وقت تشارك فيه الولايات المتحدة بليبيا في جزء من تحالف دولي يحاول الإطاحة بالقذافي، ولكنه لم ينجح بعد في مسعاه. وفي النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين – محور الاهتمام الرئيس للدبلوماسية الأميركية في المنطقة – لم يكن أوباما ناجحاً في دفع المفاوضات إلى الأمام. وعلى هذه الخلفية، كان خطاب أوباما يوم الخميس الماضي محاولة لوضع إطار أكثر اتساقاً وثباتاً للانخراط الأميركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ولم يكن هدفه جعل تحركات الحكومة مفهومة وفعالة أكثر فقط، وإنما أيضاً تلافي الكوارث الممكنة التي تلوح في الأفق. وقد كانت الكثير من كلمات أوباما حول الأمل حيث قال: "بعد عقود من قبول العالم كما هو... لدينا اليوم فرصة لتحقيق العالم كما ينبغي أن يكون". ولكن جزءاً من دوافعه كان الخوف؛ ذلك أنه في ذهن الرئيس ومساعديه، هناك الكثير من السيناريوهات غير الجميلة التي يمكن أن تمحو بهجة الربيع. فالديمقراطيات التي لم تكتمل بعد في مصر وتونس يمكن أن تتوقف فجأة بسبب الركود الاقتصادي؛ وزعماء مصر العسكريون يمكن أن يقرروا أن الحكم السلطوي يعمل بشكل أفضل من الفوضى الديمقراطية. كما أن الأنظمة السلطوية يمكن أن تنجح في سحق حركات المعارضة، معلمةً أنظمة أخرى أن القمع يكون فعالاً إذا كان قوياً وقاسياً بما يكفي. ويتمثل الجزء الأول من رسالة أوباما في محاولة طمأنة الديمقراطيين في العالم العربي بأن الدعم الأميركي سيكون أكثر ثباتاً واتساقاً، مما كان عليه في الماضي حيث قال: "إن دعمنا لهذه المبادئ ليس اهتماماً ثانوياً؛ ولكن تشجيع الإصلاحات عبر المنطقة ودعم الانتقال إلى الديمقراطية سيكونان جزءاً من سياسة الولايات المتحدة". غير أن أوباما وعد أيضاً بتجديد جهوده، العقيمة حتى الآن، لإعادة بدء مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين – مسعى يرى أنه أكثر إلحاحاً اليوم بالنظر إلى التغيرات التي تشهدها مصر وأماكن أخرى. ذلك أنه لئن كان عدد أكبر من البلدان العربية يلجأ إلى الديمقراطية، فإنه لا توجد ضمانة على أن الأنظمة الجديدة التي تصعد ستدعم الأهداف الأميركية – ولاسيما السلام مع دولة يهودية تحت القيادة المتصلبة لنتنياهو. بل العكس، حيث يخشى المسؤولون الأميركيون أن يكون الجيل المقبل من السياسيين العرب أكثر ميلاً إلى تبني موقف أكثر تشدداً بخصوص مسألة الحقوق الفلسطينية كطريقة لدعم شعبيتهم. وفي هذه الأثناء، يقول رئيس السلطة الفلسطينية إنه سيطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر المقبل، خطوة تعارضها كل من إسرائيل والولايات المتحدة. والحال أنه إذا نفذ عباس ذلك، فإنه من شبه المؤكد أن كل نظام عربي – ديمقراطياً كان أو خلاف ذلك – سيدعمه. والنتيجة بالتالي ستكون مواجهة على الطراز القديم بين الولايات المتحدة وأصدقائها العرب الجدد. والحال أن التقدم بخصوص محادثات السلام، أو على الأقل المؤشر على أن الولايات المتحدة تدفع في اتجاه تحقيق التقدم، لن يجعل دور الولايات المتحدة مهماً مرة أخرى فحسب، بل قد يساعد أيضاً على تجنب دوامة يمكن أن تؤدي إلى حرب عربية إسرائيلية أخرى. وضمن مقترحه الداعي إلى محادثات جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سعى أوباما إلى أن يكون منصفاً – عبر توجيه اللكمات إلى كلا الجانبين - حيث قال إن أي تسوية سلام ينبغي أن تكون مبنية على حدود إسرائيل لعام 1967 مع تغييرات متفاوض بشأنها، وهو مبدأ يكره نتنياهو سماعه رغم أنه هو السياسة الأميركية المتبعة بحكم الواقع منذ سنوات. وبالمقابل، قال أوباما إن على الفلسطينيين أن يتخلوا عن محاولتهم الرامية للحصول على اعتراف الأمم المتحدة ويجعلوا قبولهم لحق إسرائيل في وجود آمن واضحاً وصريحاً أكثر، نقط أثارت شكاوى من جانب عباس. هذا وأشار أوباما إلى طريق إلى الأمام، مقترحاً أن تُستهل المفاوضات بالتركيز على مواضيع مثل الحدود والتدابير الأمنية، مرجئاً مناقشة المواضيع التي كانت تعيق التقدم في الماضي مثل مستقبل القدس وحق الفلسطينيين في المطالبة بالممتلكات التي فقدتها عائلاتهم عندما أسست الدولة الإسرائيلية. كما وجه تحذيراً حاداً على غير العادة لنتنياهو إذ قال: "إن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار... والتأخير والإرجاء إلى ما لا نهاية لن يجعل المشكلة تختفي". وبالطبع، فالسؤال الآن هو كيف سيتصرف أوباما بعد هذا الخطاب؛ ذلك أن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية لم يتم تعليقها فحسب، بل إن الولايات المتحدة لا تتوفر حتى على مبعوث خاص إلى الشرق الأوسط، الآن بعد أن استقال ميتشل الصبور الذي لم ينجح في مهمته، ولاسيما في وقت بدأ فيه مرشحون "جمهوريون" منذ الآن باتهام أوباما (على نحو غير معقول)، بـ"التضحية بإسرائيل"، مثلما جاء على لسان ميت رومني. ولكن الأكيد أن تحذيرات أوباما من طريق وعرة وشاقة إلى الأمام كانت في محلها إذ قال: "إنه ليس ثمة خط مستقيم نحو تحقيق التقدم، ولكن الصعوبة تكون مصحوبة دائماً بالأمل". دويل ماكمانوس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"