الداخل الجديد إلى أمانة "بيت العرب" جاء من خارج قائمة أسماء المرشحين المتداولة، إعلامياً على الأقل، وحتى قبيل إعلان اختياره لذلك المنصب. ففي اجتماع غير عادي عقده وزراء خارجية بلدان الجامعة العربية منتصف الشهر الجاري في القاهرة، وفيما كان البعض يتخوف من تأثيرات المنافسة القائمة على ما تبقى من تضامن عربي يوشك جداره أن ينقض، تفاجأ العالم بإجماع الوزراء تحت سقف الجامعة على تسمية نبيل العربي أميناً عاماً لها. فالعربي الذي لم تمض أكثر من سبعين يوماً على تعيينه وزيراً لخارجية مصر، كان معنياً بتأمين الأصوات اللازمة لفوز مرشحها الدكتور مصطفى الفقي أمام المرشح القطري عبدالرحمن العطية لمنصب الأمين العام، لكن الدوحة وافقت على التنازل مقابل تغيير المرشح المصري، فجرى في اللحظات الأخيرة توافق أفضى إلى إسناد المنصب لنبيل العربي. والعربي دبلوماسي مخضرم وقاض ذو خبرات دولية واسعة، وهو من الشخصيات التي تحظى بالتقدير في مصر، وقد تم تعيينه في السابع من مارس الماضي وزيراً للخارجية باقتراح من "ائتلاف 25 يناير"، فبدأ يضع بصمته الخاصة على الدبلوماسية المصرية، بانتهاج مقاربات جديدة، خاصة فيما يتصل بالعلاقة مع إسرائيل، وملف المصالحة الفلسطينية، وإدارة الخلاف مع دول منابع نهر النيل. ولد نبيل العربي عام 1935، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم القضائية من مدرسة الحقوق في جامعة نيويورك، ليشغل مناصب دبلوماسية وقضائية دولية مهمة. فقد كان مستشاراً قانونياً للوفد المصري خلال مفاوضات كامب ديفيد عام 1978، قبل أن يترأس الفريق المصري خلال مفاوضات إنهاء نزاع طابا بين عامي 1985 و1989. كما عمل سفيرًا لمصر لدى الهند من 1981 إلى 1983، ثم أصبح ممثل مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف بين عامي 1987 و1991، وفي نيويورك خلال الفترة بين 1991 و1999. وكان مرشحاً لتولي حقيبة الخارجية المصرية عام 1991 خلفاً لعصمت عبد المجيد الذي أصبح أميناً عاماً للجامعة العربية، فتم استدعاء العربي من جنيف، واستُدعيّ في الوقت نفسه عمرو موسى الذي كان المندوب الدائم لمصر لدى المنظمة الدولية في نيويورك، لكن المنصب كان من نصيب موسى الذي خلفه العربي في نيويورك. ونظراً لخبراته الواسعة في القانون الدولي فقد اعتمد العديد من هيئات التحكيم الدولي على خدماته؛ إذ شغل عضوية لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي من 1994 وحتى 2001، وأصبح قاضياً في محكمة العدل الدولية بين عامي 2001 و2006، وكان ضمن هيئة قضاة المحكمة التي أصدرت حكمًا تاريخيًا في يونيو 2004 بإدانة جدار الفصل العنصري الإسرائيلي واعتباره غير قانوني. كما عمل عضواً في محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي منذ عام 2005، وشغل منصب رئيس مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي في عام 2008، بالإضافة لشراكته في "مؤسسة زكي هاشم وشركاؤه" القانونية في القاهرة منذ 2009. وفي ذلك العام تم تكلفيه بإعداد ملف مصر القانوني لاستعادة تمثال الملكة "نفرتيتي" من ألمانيا. كما عمل خلال العام الماضي مستشاراً قانونياً للحكومة السودانية في التحكيم الدولي حول حدود منطقة أبيي بين حكومة الخرطوم و"الحركة الشعبية لتحرير السودان". ولسمعته الدبلوماسية والقانونية، تردد اسم نبيل العربي في أوساط شباب ثورة 25 يناير للاشتراك في قيادة المرحلة الانتقالية، وكان عضواً في "لجنة الحكماء" التي تشكلت أثناء اعتصامات ميدان التحرير، وهي مجموعة من مفكري مصر وعلمائها انحازت إلى الحركة الاحتجاجية ضد نظام مبارك، واختارت الدكتور أحمد كمال أبو المجد مقرراً عاماً لها، والدكتور عمرو حمزاوي متحدثاً رسمياً باسمها. بعدئذ تولى العربي حقيبة الخارجية في الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور عصام شرف، خلفاً لأبو الغيط الذي شغل المنصب منذ عام 2004 ولاقى معارضة قوية؛ كونه أحد رموز النظام السابق. وقبل تعيينه بيوم واحد على رأس الخارجية المصرية، نشر العربي مقالا انتقد فيه السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الأخيرة، داعياً إلى "مراجعتها"، خصوصاً فيما يتعلق بموقف القاهرة من الحصار المفروض على قطاع غزة، قائلا إنه موقف "يتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني التي تحرّم حصار المدنيين حتى في أوقات الحروب". ولم يكن ذلك الرأي جديداً على الدكتور العربي، على الأقل منذ تقاعده عام 1999، حيث اعتاد توجيه انتقادات للسياسة الخارجية المصرية قائلا إنها "سياسات عفا عليها الزمن"، وأن قراراتها تصدر عشوائياً وبشكل أحادي. وفي مقالاته العديدة دعا العربي إلى معالجة سلبيات الماضي التي أثرت على مكانة مصر إقليمياً ودولياً وعلى دورها في مسار الأحداث، وأكد على ضرورة احترام الأطراف الأخرى لمعاهداتها مع مصر، وعلى التطبيق السليم لهذه المعاهدات، ودون إجحاف بالحقوق السيادية لمصر. وفي ضوء سعيه لبناء سياسة مصرية مستقلة إزاء الفلسطينيين، والذي أثمر تخفيف الحصار على القطاع وتوقيع المصالحة بين "فتح" و"حماس"، نظرت إسرائيل إلى نبيل العربي على أنه "عنصر معاد لها". لكن بعض الصحف الغربية اعتبرته "صوت العرب الجديد"، لاسيما أنه خلافاً لمن تولوا أمانة الجامعة العربية قبله، لم يأت بترشيح من الرئيس المصري، بل تجاوباً مع مطالب الملايين التي أطاحت الرئيس. وتواجه أمين عام الجامعة العربية الجديد مهام وأعباء تفرضها المرحلة المقبلة بما يطبعها من تحول وتوتر غير مسبوقين في العالم العربي، لاسيما بسبب الأزمات التي دخلت مرحلة التعقيد في كل من ليبيا واليمن وسوريا، والتصعيد الإسرائيلي عقب المصالحة الفلسطينية الأخيرة، ولحظة الاستعصاء التي وصلتها "عملية سلام الشرق الأوسط" وكشفتها استقالة ميتشل. وقبل كل هذا وبعده؛ قدرة الأنظمة العربية غير المتجانسة على تبني الحلول الوسط اللازمة... هذا بالطبع إذا لم تتفتق "عبقرية التاريخ العربي" عن انفراجات وحلول غير متوقعة، تماماً كما كان وجود الدكتور نبيل العربي نفسه على رأس الجامعة العربية، حدثاً توافقياً مفاجئاً وغير متوقع أيضاً! محمد ولد المنى