لم يأت خطاب أوباما حول الشرق الأوسط بالجديد، وبدا الخطاب متأخراً زمنيّاً عن الأحداث، فلم يتعدَّ الخطاب البلاغة الكلامية التي تميز بها أوباما، مردداً أن "صرخات الكرامة الإنسانية يتردد صداها في المنطقة"، وأن "مصالح أميركا ليست خطراً على آمال شعوب المنطقة". وعلى رغم مرور ستة أشهر على الاحتياجات الشعبية ما زالت الإدارة الأميركية تتخبط في فهمها وفي ترجمتها للغة الشعوب العربية، شعوب لم تصرخ في مظاهراتها بـ"الموت لأميركا" ولم ترفع شعارات "القاعدة" أو "الإسلام هو الحل" أو خطابات دينية متطرفة، لكنها هتفت للتغيير السلمي وللإصلاح السياسي والاقتصادي. فقد فوتت من جديد الولايات المتحدة فرصة أخرى لبناء علاقات شراكة حقيقية وقوية مع شعوب المنطقة، لا مجرد علاقات مصلحية مع حكوماتها. لقد تحدث الخطاب في عموميات وخص بالذكر بعض الدول في انتقائية ستعكس للشعوب العربية ازدواجية في الطرح وريبة مقيمة في السياسة الأميركية. وجاء الخطاب مليئاً بالوعود داعماً للإصلاح وللديمقراطيات الناشئة في مصر وتونس قائلاً: "إن زعيمين عربيين تنحيا وقد يلحقهما آخرون"، وخص بالذكر الرئيس السوري قائلًا إن "على الأسد أن يغير سياسته أو يتنحى"، بينما دعا الرئيس اليمني إلى تنفيذ وعده بانتقال السلطة، وقال إن القذافي "سيرحل في النهاية والوقت ليس في صالحه". لطالما كانت المواءمة بين دمقرطة الشرق الأوسط والمصالح الأميركية معضلة أخلاقية لكل الإدارات الأميركية المتعاقبة وصولاً إلى إدارة أوباما الذي خاطب العرب والمسلمين من القاهرة قبل عامين خطاباً إيجابياً للشعوب العربية قبل الحكومات على رغم أن التجارب السابقة مع إدارة بوش أثبتت للشعوب العربية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن تعريف الإدارة الأميركية لدمقرطة الشرق الأوسط يتعارض مع الصورة الرومانسية لصناديق الاقتراع ولدولة القانون كما تخيلها الحالمون بالدمقرطة على الطريقة البوشية. لقد أثبتت التجارب أن الخيار الاستراتيجي للولايات المتحدة ينصب في المصالح أولاً وأخيراً وتبقى المبادئ الديمقراطية وخطاب حقوق الإنسان سلاحاً يرفع هنا ويشهر هناك ويغض الطرف عنه كذلك هنالك. إنها الواقعية السياسية التي تعي دروسها الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، فهل يحاول الرئيس الأميركي جني ثمار التحولات العربية؟ لقد تحدث صمويل هنتنغتون Samuel Huntington عن ثلاث موجات للديمقراطية ضربت العالم مغيرة المشهد السياسي، وتحدث كذلك عن موجات مضادة للديمقراطية تستتبع بالضرورة كل موجة ديمقراطية لتقلص عدد الدول المتحولة للمعسكر الديمقراطي، فيؤرخ للأولى في الفترة ما بين 1828- 1926، وتبعتها الموجة الثانية من 1943- 1964، فيما بدأت الموجة الثالثة عام 1974 في البرتغال واليونان وإسبانيا ثم وصلت إلى أميركا اللاتينية، واكتسحت الدول الشيوعية في الاتحاد السوفييتي وشرق أوروبا ومعها تغيرت الخريطة السياسية فسقطت ديكتاتوريات، وسقطت النظم الشيوعية، وحققت الديمقراطية نجاحات متفاوتة في حالات وكانت الإخفاقات من نصيب حالات أخرى. واليوم تجتاح الدول العربية موجات ديمقراطية، فهل ستؤرخ للموجة الرابعة للديمقراطية؟ هل ستضرب شواطئ الدول العربية في معظمها؟ وهل يمكن أن تنشأ في المنطقة موجات مضادة للمد الديمقراطي؟ المطلوب من الولايات المتحدة في هذه المرحلة الدقيقة ليس خطاباً إنشائيّاً وإنما دعم للديمقراطيات الناشئة وإجراءات ملموسة تظهر للشعوب العربية رغبة الولايات المتحدة في بناء جسور جديدة وإقامة شراكة جديدة، وإلغاء ديون مصر خطوة جيدة ولكنها تبدو رمزية، فالتوفيق بين مبادئ الديمقراطية الأميركية والمصالح الأميركية الواسعة في المنطقة ليس بالمستحيل، لكنه يحتاج رؤية جديدة متماسكة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.