يصادف الأربعاء المقبل الذكرى الثلاثين لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أنجح تجمع إقليمي عربي تمكن من جمع قدرات وقوة دوله للتصدي للتحديات والتهديدات الإقليمية، ولمواجهة المتغيرات الجارفة في حينه بسبب سقوط نظام الشاه والثورة الإيرانية وحرب العراق وإيران وتهديدات أخرى عديدة دفعت دول المجلس لإقامته لأسباب أمنية ودفاعية من أجل خلق جبهة متماسكة تردع الخصم ضمن حلف استراتيجي -أمني سياسي -اقتصادي يندرج ضمن أطر التكامل والأمن الجماعي. وخلال الثلاثين عاماً الماضية جربت دول المجلس أربعة مشاريع أمنية لتعزيز أمنها واستقرارها، بدءاً ببناء قدرات ذاتية وعسكرية فردية وتفعيل التحالف بإنشاء قوات درع الجزيرة. ولم تردع قوات درع الجزيرة صدام عن غزو واحتلال الكويت، وهو ما كشف محدودية الدور الردعي للمجلس كمنظومة عسكرية وأمنية. وأتى المشروع الأمني الثاني بعد تحرير دولة الكويت عن طريق ما سمي "إعلان دمشق" لمجموعة (6+2) في تحالف ووجود عسكري لكل من مصر وسوريا لدعم النظام الأمني الخليجي. ولكن سرعان ما انكفأ مشروع "إعلان دمشق" أيضاً وتحول إلى مشروع اقتصادي واستثماري بدلاً من كونه مشروعاً استراتيجيّاً كان ممكناً تطويره ليشكل منظومة أمنية عربية تساعد على توفير مظلة عربية وخليجية تردع وتحقق توازناً مع القوى الإقليمية. والمحاولة الثالثة كانت بتوقيع اتفاقيات أمنية مع القوى الكبرى، والتحالف معها. هذا وصولًا إلى المشروع الراهن لتأمين أمن دول المجلس بفكرة توسيعه خارج حدوده الإقليمية بإعطاء الإشارة المناسبة لمفاوضات تفتح العضوية للأردن والمملكة المغربية، وذلك من أجل تعزيز القدرات الأمنية لدول المجلس في معادلة جديدة لـ(6+2). وإذا ما انضمت الأردن والمغرب فهذا يعني أنه سيبقى تحالفاً متشابهاً في أنظمته، يسعى لتحصين نفسه من عدم الاستقرار، والتصدي لمشاريع وتهديدات الآخرين. ولكن ذلك سيمدد حدود المجلس من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وسيرتب على دوله مسؤوليات وأعباء وتكاليف قانونية واقتصادية وسياسية. بالإضافة إلى تبني دول المجلس لأعباء والتزامات الدولتين الجديدتين. وهذا قد يربك حتى القضايا والاستحقاقات الخليجية مثل العملة الموحدة والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي. وهناك أسئلة أخرى: ماذا يعني مستقبلاً أن تكون إحدى دول المجلس الثماني (الأردن) ترتبط بعلاقة دبلوماسية مع إسرائيل، مما يحول دول المجلس إلى طرف لديه حدود مع إسرائيل (الأردن)، ومع الجزائر وتداعيات نزاع الصحراء (المغرب)؟ وكيف سينعكس ذلك على علاقة دول المجلس؟ هذا طبعاً دون إغفال السؤال الكبير: ما هي القيمة الاستراتيجية والجيو-سياسية لهذه التركيبة الجديدة؟ أي ما هي القيمة المضافة، وما أبعاد وعمق وتكلفة التحالف الجديد؟ لقد سبق أن تناولنا في هذه الصفحة عبر العديد من المقالات محورية ومركزية وتحول دول مجلس التعاون الخليجي إلى قلب ومركز وعصب للعالم العربي بوجود أنجح تجمع عربي يقود المبادرات والمصالحات، وهو الأكثر وفرة ودخلاً والأرفع مستوى معيشة، وخاصة أن دولنا تحولت إلى مصدر للتوظيف والتصدير والتحفيز والمبادرة ومركز المال. كما جذبت دول المجلس أيضاً الإعلام العربي ومحطاته الأشهر والجامعات والمدن المتخصصة للتعليم العالي والصحة، واستقطبت أكبر وأعرق جامعات العالم. وأصبحت مقرّاً لمنظمة الطاقة المتجددة في أبوظبي، ومركزاً للمال والأعمال وأفرع الشركات العالمية الكبرى في أبوظبي ودبي والدوحة وغيرها. ولا جدال في أن دول المجلس والمنطقة قد تعرضت لتغييرات جذرية تشكل في مجموعها التحولات الأكبر خلال عقود بسبب أهمية واستراتيجية ومكانة هذه الدول، وما تحمله من مقدرات ومصادر طبيعية وثروات سيادية. وقد شهدت المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية أربع حروب، واجتاحتها تغييرات هائلة وصلت إلى إسقاط وتغيير نظامي أكبر دولتين في المنطقة بسقوط نظام الشاه في إيران، وسقوط نظام صدام في العراق. مع ما ترتب على كل ذلك من تغير إيران من حليفة إلى خصم للغرب، والعراق من نظام "البعث" إلى نظام قيد التشكيل يرى البعض أنه قد يشكل تهديداً لنفسه ولجيرانه معاً. وسبق ذلك غزو واحتلال دولة الكويت ليقف صدام في وجه الإرادة الدولية ويواجه هزيمة مدمرة في "عاصفة الصحراء" التي شكلت بداية النهاية لحقبة حكمه وحكم "البعث" بفعل الهزيمة والعقوبات وحرب إسقاطه ونظامه، في عام 2003، مع ما تترتب على ذلك من تغييرات جذرية في توازن القوى الإقليمي، وزيادة في خلل ميزان القوى الذي لم يملأه سوى الوجود العسكري الأميركي، والترتيبات الأمنية التي وقعتها الدول الخليجية لتأمين أمنها واستقرارها، حتى أصبحنا اليوم نتكلم عن عولمة الأمن الخليجي ليشمل الدول الغربية التقليدية بقيادة الولايات المتحدة، وقوى دولية صاعدة وطامحة أخرى مثل الصين والهند وروسيا، هذا بالإضافة إلى تنامي دور اللاعبين من غير الدول، ومن ضمنهم تنظيم "القاعدة" الذي يتخذ من اليمن مقراً لفرع الجزيرة العربية. وللتدليل على ما سبق، فقد تفاعل وتداخل في الأسبوع الماضي العديد من القمم والأحداث والمناسبات والمؤتمرات والكتابات في الخليج وعنه، وأثارت الكثير من الأسئلة والتعليقات والبرامج التي سعت لتفسير وتحليل وشرح هذه الظواهر والتطورات، بغية تحليل وفهم التحديات المستمرة أمام هذه المجموعة من الدول في ذكرى قيام المجلس الثلاثين. وهنا يمكن الإشارة إلى حزمة مناسبات وأحداث من القمة التشاورية، إلى المبادرة الخليجية للتوصل لمخرج للوضع المأزوم في اليمن، والدورة العاشرة لـ"منتدى الإعلام العربي" في دبي التي انعقدت تحت عنوان معبر لتؤكد دقة الظروف الإقليمية الراهنة، وقد حمل عنوان المنتدى «الإعلام العربي وعواصف التغيير» ليعكس واقع الحال. إن دول مجلس التعاون مطالبة بانتهاج استراتيجية فعالة تتحدى النهج المتبع منذ ثلاثين عاماً، الذي أثبت قصوراً في توفير المتطلبات الأمنية. والمطلوب توحيد الرؤى والأهداف والسياسات وجس نبض الشارع، وتوفير معادلة تتضمن تلبية مطالب شعبية وجرأة اقتصادية وعزيمة عسكرية، لتحصين دول ومجتمعات المجلس، وخاصة أن التهديدات والتحديات مستمرة. فهل تنجح دولنا في الذكرى الثلاثين لقيام مجلسنا في تغيير النهج والاستراتيجية؟! هذا هو السؤال!