فضيحة "كان" تقلب معادلة 2012 الرئاسية... و"عقيدة أوباما" تواجه العقبة الإسرائيلية فضيحة "دومنيك ستروس كان"، وخطاب أوباما الموجه للشرق الأوسط، وتحديات اللحظة الراهنة في تونس، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وصفحات رأي الصحف الفرنسية. محنة "ستروس كان" ما زالت أصداء حادثة توقيف "دومينيك ستروس كان"، المدير السابق لصندوق النقد الدولي، في نيويورك، تتردد بقوة في الصحافة الفرنسية، سواء لجهة تداعياتها الكارثية على فرص أكبر أحزاب المعارضة "الحزب الاشتراكي" في خضم الاستعداد للاستحقاقات الرئاسية العام المقبل، أو لجهة ترويج فكرة "المؤامرة" التي يفضل البعض الركون إليها تفسيراً لهذه المحنة الشخصية والسياسية معاً. وفي هذا السياق نشرت صحيفة لوموند افتتاحية تحت عنوان "نظرية المؤامرة والتراجع الديمقراطي" قالت في مستهلها إن هول التوقيف المفاجئ لمدير صندوق النقد في نيويورك، واتهامه بالاعتداء الجنسي والاغتصاب، كان له وقع الصاعقة على رؤوس الجميع في فرنسا، ولذلك بدا أنه لابد حياله من استدعاء أكثر التفسيرات غرابة ولاعقلانية. ولهذا تفشت منذ فجر الأحد الماضي الشكوك حول وجود مكيدة أو مؤامرة ما أريد من ورائها القضاء على "ستروس كان"، وقد سرت نظرية المؤامرة هذه عبر الإنترنت سريان النار في الهشيم! وكما يمكن أن نتوقع لم يبق طرف في العالم لم يتهم بالضلوع في هذه المؤامرة "المحبوكة"، من الـ"سي آي إيه"، إلى منافسي "كان" في إدارة صندوق النقد، وصولاً إلى الأذرع الأخطبوطية للبنوك الأميركية ولإمبراطوريات المصالح المالية الغاضبة من جهوده الساعية لإصلاح النظام المالي العالمي. وبسرعة أيضاً وصل الاتهام إلى الحديث عن ضلوع بعض "المكاتب السوداء" القريبة من قصر الأليزيه ومن الرئاسة الفرنسية. هذا طبعاً دون إغفال الإشارة إلى دور محتمل لمنافسي "كان" على بطاقة ترشيح الحزب الاشتراكي. وكلها أطراف فرنسية ودولية من مصلحتها، يقول القائلون، تدمير المدير السابق لصندوق النقد، والمرشح الأوفر حظاً في استطلاعات الرأي، حتى يوم توقيفه، للرئاسة الفرنسية العام لمقبل. بل إن بعض الساسة المقربين من "كان" نفسه لم يجدوا هم أيضاً حرجاً في الحديث عن احتمال وجود "فخ" نصب له بإحكام، مشيرين في هذا السياق إلى أنه هو نفسه حذر في مقابلة مع صحيفة ليبراسيون يوم 28 أبريل الماضي، من أن هنالك من يبحث عن كيفية يوقعه بها في "فخ" من هذا القبيل. وفي هذه الأجواء المشحونة حققت "نظرية المؤامرة" مبتغاها في التأثير على الرأي العام الفرنسي، حيث أظهر استطلاع للرأي أجري يوم الاثنين 16 مايو الجاري أن 57 في المئة من أفراد عينة -يمثل فيها أنصار اليسار 70 في المئة- يرون أن ستروس كان "وقع ضحية مؤامرة" بكل بساطة. وفي ذات الصحيفة أيضاً رصدت الكاتبة فرانسواز فريسو تداعيات سقوط "كان" على حزبه الاشتراكي، معيدة التذكير بواقعة ترشح فاشل مماثلة واجهها الاشتراكيون سنة 1994 مع "جاك ديلور"، الذي كان حينها رئيساً للمفوضية الأوروبية، مشيرة إلى سباق زعامات الحزب الاشتراكي اليوم لسد الفراغ الهائل الذي تركه خروج "كان" من السباق، لتتقدم المشهد الآن زعيمة الحزب مارتين أوبيري، وزعيمه السابق فرانسوا هولاند، دون أن يخرج زعماء آخرون من الحساب مثل جوسبان وغيره. وفي السياق ذاته أيضاً انتقد الكاتب نيكولا ديموران في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون طريقة تعامل الصحافة الفرنسية مع قضية "كان" وخاصة ما تعلق من ذلك بتوجيه النقد الصريح، أو المبطن، للنظام القضائي الأميركي، والكيفية التي تعامل بها مع مدير صندوق النقد. وفي هذا الإطار أشاد الكاتب بفاعلية وشفافية النظام العدلي الأميركي، الذي اتخذ أكثر التدابير تحوطاً وصرامة بحق أحد أكثر الرجال نفوذاً في العالم، داعيّاً فرنسا إلى أن تتعلم من هذا النظام الكثير. خطاب أوباما حلل الكاتب بيير روسلين في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو ما سماه "عقيدة أوباما في الشرق الأوسط"، وهي عقيدة سياسية جديدة تكشّف عنها خطابه هذا الأسبوع، ومؤداها الدعم الكامل، ودون تحفظ، لـ"الربيع العربي"، والدعوة إلى العودة لمفاوضات السلام بهدف إنشاء دولة فلسطينية "على قاعدة حدود 1967". وفي الخطاب نفسه تعهد أوباما بتقديم دعم أميركي بالمليارات لكل من مصر وتونس، مع دعوة بقية النظم الإقليمية إلى الانخراط، دون تردد، في مسار الإصلاح الديمقراطي. وعلى صعيد صراع الشرق الأوسط فهم حديثه عن ضرورة قيام دولة فلسطينية في حدود 67 مع تبادل للأراضي بالتوافق بين الطرفين، على أنه جاء كنوع من الضغط الاستباقي لزيارة نتنياهو لواشنطن، التي بدأت يوم الخميس الماضي. ولكن هذا الضغط لم يحقق غاياته، على كل حال، من واقع استمرار التصلب والجمود في مواقف نتنياهو بعد لقائه بسيد البيت الأبيض أول من أمس (الجمعة). وهذا التصلب والجمود رصدهما أيضاً الكاتب لوران زكيني في مقال بصحيفة لوموند ربط فيه بين مساعي أوباما لاكتساب عقول وقلوب شعوب الشرق الأوسط من خلال الدعم الصريح لـ"الربيع العربي"، والحديث عن دعم آخر لقيام الدولة الفلسطينية، والعوائق المتكاثفة أمام ذلك بفعل مقاومة نتنياهو لضغوط أوباما، وتعويله على الدعم المطلق وغير المشروط الذي يلاقيه في الكونجرس ذي الأغلبية "الجمهورية" لصد مطالب البيت الأبيض. وهنا يركز نتنياهو خاصة على إقناع الأميركيين بعرقلة الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية أو نيلها اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر المقبل، مثيراً الشكوك في أبعاد وخلفيات المصالحة الفلسطينية الأخيرة، بدل اتخاذ خطوات عملية بوقف الاستيطان وإفساح الطريق أمام العودة إلى طاولة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني. وفي الأخير أشار الكاتب إلى أن الجانب الفلسطيني يواجه هو أيضاً ضغوطاً قوية من الشارع عكستها تظاهرات إحياء ذكرى النكبة لهذا العام، ولذلك فإن الطبقة السياسية الفلسطينية تواجه تحدي تجاوز الشارع لها. تماماً مثلما يواجه الجانب الإسرائيلي تحدي تجاوز مسار الأحداث لجموده وتكلس مواقفه، في ظرف إقليمي سائل، عنوانه التحولات الجارفة . تحديات تونس الجديدة وعلى ذكر التحولات الجارفة، حذر الكاتب جان- بول بييرو في افتتاحية صحيفة "لومانيتيه" من أن مكاسب التحول في تونس أصبحت معرضة للخطر، بفعل تكالب بعض القوى المناهضة للتحول، وسعيها لعرقلته. ففي حين تمت الإطاحة بالنظام السابق، على أيدي الشباب وفقراء مدن الدواخل، بقيت القوى السياسية والاقتصادية التي استحوذت على جميع الفرص في ظل النظام السابق حاضرة بقوة، لتدخل في معركة كسر عظم ضد الشعب لضمان استمرار حظوتها، وللحفاظ على مصالحها. هذا مع أن الشعب التونسي واجه عنف النظام السابق وحيداً وبصدور عارية. ومن المعروف أن تونس، العزيزة على قلوب الساسة الفرنسيين، والتي كانت تعتبر تلميذاً نجيباً لصندوق النقد الدولي، ظلت، في عهد النظام السابق، تسير بسرعتين متفاوتتين، حيث كان الساحل السياحي يعيش حالة صعود اقتصادي وازدهار، فيما مدن الدواخل ترزح في ظروف الفاقة والفقر. ولأن النظام السابق خلف وراءه تركة ثقيلة يتقدمها 700 ألف عاطل، من ضمنهم 150 ألف حامل شهادة، فإن على ساركوزي المنخرط بقوة في معركة حماية المدنيين الليبيين، ألا يشيح بعيداً عن تونس، التي ستحتاج 5 مليارات دولار سنويّاً، طيلة الأعوام الخمسة المقبلة. ولكن المفارقة، يقول الكاتب، أن ساركوزي بدل التفكير في ذلك، يستغرق الآن في مواجهة طواحين وأشباح الهجرة غير الشرعية، بحثاً عن كباش فداء جدد يمكن أن يلعبوا دور الضحايا في حملاته السياسية، وهم اليوم للأسف: اللاجئون التونسيون. إعداد: حسن ولد المختار