ساهم الإعلام الاجتماعي في تقارب المجموعات الدينية والإثنيّة المختلفة في جميع أنحاء العالم. وليس هذا أكثر وضوحاً من العالم العربي، حيث قدمت الاحتجاجات الأخيرة هناك خير دليل على ذلك. وقد عمد الناشطون في هذا الجزء من العالم إلى التأكيد على أنّ الاحتجاجات ليست فئويّة. وبالفعل، فقد أظهرت الاحتجاجات نفسها أناساً من خلفيات متنوعة تجتمع معاً من أجل قضية واحدة مشتركة، ألا وهي التغيير. في المنامة، انطلقت حملة من أجل التغيير السياسي على المدونات الشخصية وموقع الفيسبوك تنادي: "لا سنّي ولا شيعي، بس بحريني". وفي سوريا، يرفض المحتجون الفتنة الطائفية ويركزون على الوحدة الوطنية، وهم يهتفون "لا كردية، لا عربية، بدنا وحدة وطنية". هذا بالإضافة إلى الحملة التي بدأها ناشطون تحت عنوان "أنت مسلم أو مسيحي؟ أنا سوري"، والتي وصل عدد أعضائها إلى حوالي تسعة آلاف شخص. ثم هناك إطلاق ميثاق شرف على "الفيسبوك" يدين كل أشكال التمييز بين المواطنين السوريين، والذي وصل عدد المنضمين إليه حوالي خمسة آلاف شخص. لقد منعت العديد من الأنظمة العربية تأسيس الأحزاب السياسية وحدت من حقوق التجمع أو إنشاء مجموعات حقوقية مدنية، مما أدّى إلى تلاشي مساحات الالتقاء بين المجموعات الدينية والإثنيّة والثقافيّة. فمن عدم السماح للأمازيغ في بعض بلاد المغرب العربي بالتحدث بلغتهم ومن تسمية أولادهم بأسماء أمازيغية، وصولاً إلى الأكراد المحرومين من جنسيتهم، وغيرها من هذه الممارسات المختلفة. أما ما فعله الإعلام الاجتماعي، على هذا الصعيد، فهو مساعدة تلك المجموعات على اكتشاف بعضها البعض، وكسر الحاجز النفسي والخوف بينها، الذي أنشأته بعض الأنظمة وعززته. فالإعلام الاجتماعي هو "الخطوة الأولى" نحو التشارك والانخراط مع ما كانت الأنظمة قد عرّفته على أنه "الآخر". فالحقيقة هي أنه من السهل البدء بالمحادثة مع شخص من خلفية مختلفة عبر شاشة الكمبيوتر، كما أنه يشكل خطوة نحو إدخال هذا التغيير إلى المجتمع ككل. وفي لبنان، نشأت العديد من المجموعات الإلكترونيّة المناهضة للطائفيّة والتمييز في المجتمع، وخلقت فسحة قرّبت شرائح من مختلف الطوائف والمناطق والانتماءات. مع بدء الاحتجاجات في العالم العربي، بدأت مجموعات الناشطين في لبنان بالعمل تحت شعار "إسقاط النظام الطائفي". وقد استطاع هؤلاء الناشطون من الوصول إلى حوالي 15 ألف شخص في مجموعة على"الفيسبوك" تدعى "من أجل إسقاط النظام الطائفي اللبناني- نحو نظام علماني". تتكوّن المجموعة من شباب من مختلف الطوائف والمناطق والخلفيّات الثقافيّة. يخوض هؤلاء الناشطون على صفحة "الفيسبوك" نقاشات واسعة حول النظام القائم، وشكل النظام الذي يأملونه. وقد نظّم القائمون على هذه المجموعة العديد من المظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام الطائفي في لبنان، ووصل عدد المشاركين في إحداها إلى عشرين ألفاً. لقد بدأ الإعلام الاجتماعي يثبت بسرعة أنه أداة لخلق الوعي حول قضية معينة بين أعداد كبيرة من الناس. فببعض النقرات، يمكنك أن تنشر إلى العالم رسالتك وتحشد أفراداً يفكرون مثلك للتواصل والحوار حول قضية مشتركة. فقد برزت في السنوات الخمس الأخيرة العديد من القضايا، عبّرت عنها مجموعات ذات تنوع ديني وثقافي وسياسي. وضمن هذا الإطار استطاعت بعض المجموعات من خلال حضورها الإلكتروني، إيجاد وعي متزايد بالمشاكل التي يواجهونها في لبنان. ويشكل الوجود الإلكتروني لهذه المجموعة ونجاحها في التواصل مثالاً على الأسلوب الذي يمكن للإعلام الاجتماعي من خلاله إعطاء الشباب من مختلف الخلفيات منبراً للتواصل البنّاء والحوار المنتج حول قضية مشتركة. ومن الأمثلة الأخرى على قدرة الإعلام الاجتماعي على جمع الناس معاً هي قضية المرأة اللبنانية وحقها في الجنسية والمواطنة الكاملة، وهي قضية جمعت معاً أكثر من 20 ألف عضو على الفيسبوك بهدف دعم حق المرأة اللبنانية في إعطاء جنسيتها إلى أطفالها. لقد استطاع الناس من مختلف الديانات الاجتماع معاً من خلال الإنترنت وبالتالي اكتشاف أنه يمكن لأشخاص من ديانات مختلفة أن يفكروا مثل بعضهم البعض، وأنهم بالفعل يفعلون ذلك. يعزز مثل هذا النشاط الشعور بالتماسك والتلاصق الاجتماعي ويساعد الناس على التركيز على ما لديهم من أمور مشتركة، بالرغم من تباين خلفياتهم. كما أثبت أنه أداة فعالة في أيدي الأشخاص المهمشين في بعض المجتمعات، الذين يمكنهم الآن من التعبير عن مخاوفهم وآرائهم وحشد الدعم لهم من شرائح واسعة . ------- هاني نعيم ناشط في مجال المجتمع المدني ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"