قبل أن يُلقي أوباما خطابه يوم الخميس الماضي بأيام، راجت بين المحللين الإسرائيليين نظريتان الأولى تقول: إن الرئيس الأميركي سيتحدث عن السلام بعبارات غامضة لا تؤدي إلى إغضاب نتنياهو و"اليمين" الإسرائيلي، وتعززت هذه النظرية عندما قام نتنياهو يوم الاثنين الماضي 2011/5/16 باستباق خطاب أوباما وألقى خطاباً أمام الكنيست في إطار "يوم هرتزل"، حدد فيه مطالبه في شكل التسوية وهي اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، والاحتفاظ بكتل الاستيطان الكبرى وضمها إلى إسرائيل والحفاظ على وجود عسكري إسرائيلي على امتداد نهر الأردن، والتأكيد على أن اللاجئين لن يعودوا إلى حدود إسرائيل، ومفهوم من كل هذه المطالب أن نتنياهو يرفض العودة إلى حدود 1967 باعتبارها حدوداً غير قابلة للدفاع عنها. أما النظرية الثانية، فقادتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي أكدت قبل خطاب أوباما بيومين، أن الرئيس الأميركي سيطالب إسرائيل بالعودة إلى حدود 1967 مقابل مطالبة الفلسطينيين بالتنازل عن فكرة إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، والحصول على اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بها. تعمَّدت أن أعود إلى ما قبل خطاب أوباما بأيام لتكون لدينا صورة واضحة عن الصفقة التي طبخها أوباما في خطابه على نحو وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي و"كتلة الاستقلال" بأنه متوازن، حيث أنه طرح فكرة التوصل إلى اتفاق حول الحدود وترتيبات للأمن تكون جوهرية مع إرجاء مسألتي القدس واللاجئين إلى المستقبل. إذن لقد رحب باراك بالصفقة هذه، في حين علَّق عليها نتنياهو بشكل سلبي، بعد أن استمع للخطاب قبل صعوده للطائرة للذهاب إلى واشنطن لمقابلة أوباما. فقد قال إنه يتوقع من أوباما أن يستمع من جديد إلى الالتزامات الأميركية تجاه إسرائيل والتي صدرت عام 2004، والتي تنص بين أمور عديدة على أن أميركا لن تطالب إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967 وأنها ستحتفظ بكتل الاستيطان في الضفة. وأضاف نتنياهو أنه يطالب أوباما أيضاً بموقف واضح بأن اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلى إسرائيل. في تقديري أن تعليق نتنياهو السلبي يستهدف أمرين، الأول طمأنة معسكر اليمين الذي يقوده في حكومته أنه لن يلين أمام أوباما في واشنطن، والثاني ممارسة الضغط على أوباما لينتزع منه مكاسب إضافية. إذن لقد بدأ نتنياهو لعبة الضغط على أوباما قبل خطابه الأخير وفور إلقائه، وهي لعب سبق وأن نجحت في تطويق أوباما وإرغامه على التراجع تحت ضغط اللوبي اليهودي أمام رفض نتنياهو تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات. ولكي نرى بوضوح خطوط الموقف الراهن، علينا ألا ننسى أن الفلسطينيين كانوا قد أصيبوا باليأس من وعود أوباما، ومن مراوغات نتنياهو وقرروا التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر للمطالبة بالاعتراف بدولتهم في سبتمبر المقبل كمخرج أخير. واليوم يواجههم أوباما في خطابه بعبارات واضحة تعبر عن رفضه لهذا المسعى عندما قال: إن الخطوات الهادفة لنزع الشرعية عن إسرائيل ستنتهي بالفشل وأن الإجراءات الرمزية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في سبتمبر لن تؤدي إلى الدولة الفلسطينية المستقلة. إذن أوباما أقفل الباب الأخير أمام الفلسطينيين مقابل إعلانه عن ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة بحدود دائمة تستند إلى خطوط 1967. السؤال هو كيف سيحقق أوباما هذه الصفقة في ضوء عجزه السابق عن إعادة نتنياهو للمفاوضات، وهل يملك أوراق ضغط جديدة تغير الموقف وترغم نتنياهو على الانصياع. إنني أشك في هذا ومع ذلك فلننتظر ونرقب ونحكم.