افتتحت الهند التي تفتخر بأنواع النمور النادرة وبجبال الهمالايا الشامخة، والمناظر الساحرة مؤخراً حملة ترويج سياحية أطلقت عليها "عجائب الهند" بهدف اجتذاب السائحين من مختلف أنحاء العالم. ولكن هناك شيئاً غير متوقع حدث، وهو أن معظم من انجذبوا لفعاليات تلك الحملة، واحتلوا معظم غرف الفنادق الشاغرة، كانوا من الهنود وليس من الأجانب كما توقع منظمو تلك الحملة. كان من بين هؤلاء أشخاص مثل "اش ناريان روي"، الذي نشأ فقيرا في كوخ ريفي، لكنه حصل بجده واجتهاده على درجة الدكتوراة، التي أهلته لشغل وظيفة مرموقة في نيودلهي، ومكنته من أن يحيا حياة رغيدة. و"روي" ليس إلا واحدا من الطبقة المتوسطة في الهند التي تشهد في الوقت الراهن نمواً وازدهار ملحوظاً في مجالات الثقافة والتعليم والترفيه. ففي صباه وشبابه كان"روي" ينتقل من مكان إلى مكان - مهما بعُد - سيرا على الأقدام، أما اليوم، فهو يمتلك سيارة يقودها سائق خاص ينقله هو وأفراد عائلته أينما يريدون، كما يركب الطائرات النفاثة عندما يريد زيارة المنتجعات الساحرة في جبال الهمالايا، أو التمتع بالمناظر الساحرة على شواطئ"جوا" الذهبية. ويقول "أميتاب كانت" مسؤول التطوير السياحي الهندي، إن السياح الهنود لا يكتفون بالتردد على المنتجعات والوجهات الهندية فحسب، بل باتوا يترددون على عواصم العالم الكبرى مثل لندن على سبيل المثال، ويتفوقون في الإنفاق على السياح الأميركيين بنسبة لا تقل عن عشرة في المئة. ونمو الطبقة الوسطى في الهند، يأتي في إطار النمو الذي تشهده الطبقة الوسطى في العديد من دول العالم، في الوقت الراهن، والتي تشير الإحصائيات الرسمية أنها ستزداد بمقدار الضعف في العام 2030 لتصل إلى ما يقرب من 5 مليارات نسمة، وهي زيادة غير مسبوقة لم يشهدها العالم منذ الثورة الصناعية. ويقول علماء الاقتصاد والاجتماع إن ذلك يعني أن العالم سينتقل من المرحلة التي يكون فيها معظم سكانه من الفقراء، كما هو الحال في الوقت الراهن، إلى مرحلة أخرى يكون فيها معظم هؤلاء السكان من الطبقة الوسطى المزدهرة بحلول العام 2022 . ويرى هؤلاء العلماء كذلك أن معظم النمو الذي ستشهده الطبقة الوسطى سوف يكون في الهند والصين وغيرهما من البلدان الصاعدة، وهو ما سيؤدي بدوره لنقل مركز الثقل الاقتصادي في العالم من الغرب إلى الشرق. وفي هذا السياق أيضاً يقول خبراء صندوق النقد الدولي إن المعلومات والبيانات المتوافرة لدى مؤسستهم تشير إلى أن حجم الاقتصاد الصيني، يمكن أن يفوق حجم الاقتصادي الأميركي في بحر خمس سنوات من الآن. ولكن الازدهار الحالي الذي تشهده الطبقة الوسطى في "الدول العملاقة الناهضة" وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، التي يطلق عليها على سبيل الاختصار" دول البريكس"، يختلف عن الازدهار الذي شهدته الثورة الصناعية، والذي كان عاملاً مساعداً على تحقيق الحريات السياسية والفردية. فالأفراد المنتمون إلى الطبقات الوسطى الصاعدة في تلك الدول وغيرها من المرجح أن يعيدوا تعريف قيم هذه الطبقات، على ضوء الظروف الجديدة. يوضح "سونالدي ديساي" عالم الاجتماع لدى المجلس الوطني للأبحاث الاقتصادية التطبيقية في نيودلهي هذه النقطة بقوله:" اعتقد أن الطبقة الوسطى ستمر بعملية تحول جذري بدخول مئات الملايين من العائلات الهندية والصينية والبرازيلية ...وما نطلق عليه اليوم (تقاليد الطبقة الوسطى) سوف يتغير في إطار تلك التحولات"، وللمزيد من التوضيح يقول ديساي:"تاريخياً كان علماء الاجتماع يعرفون الطبقة الوسطى بأنها تلك التي يتقاضى أفرادها رواتب... أما الطبقة الوسطى في المستقبل فستكون أقرب إلى أن تكون "حالة ذهنية". و السؤال الذي يقفز إلى الذهن في هذا السياق هو ما الذي أدى في الأصل إلى هذه الزيادة الكبيرة في أفراد الطبقة الوسطى؟ الإجابة أن ذلك يرجع لطائفة من الأسباب منها: السياسات التي طبقتها الحكومات حيث قامت البرازيل مثلًا بزيادة الحد الأدنى لرواتب عمالها وموظفيها، وقامت الهند بتخفيض الضرائب المفروضة على الدخل مما أدى - عمليا - إلى زيادة الدخول المتوافرة في أيدي الأفراد. وهناك أيضاً أسباب أخرى مثل الاستثمارات الأجنبية التي أدت إلى افتتاح أعداد هائلة من الشركات والمصانع التي ساعدت بدورها على توفير الوظائف لأعداد كبيرة من السكان، وبالتالي زيادة الطلب على كافة السلع بدءاً من السيارات إلى الملابس العصرية..كما يقول عالم الاقتصاد "هومي كاراس" من معهد بروكنجز في واشنطن. ومن ضمن الأسباب كذلك حرص المزيد من العائلات على توفير تعليم أفضل لأبنائها لتأهيلهم لشغل وظائف جيدة يحصلون منها على دخول مجزية. وفي الوقت الذي تزداد فيه دخول الكثيرين في الصين والبرازيل والهند وغيرها وتتحسن حياتهم فإن الدخل العالمي والقدرة على الأنفاق، باتا يتوزعان في الوقت الراهن في مختلف أنحاء العالم على نحو أكثر مساواة وعدالة عما كان عليه الأمر من قبل. بيد أن الأمر يختلف داخل كل دولة على حدة، وخصوصا في قارة آسيا حيث لا تزال هناك فجوة في الدخول، نتيجة لأن الأغنياء يزدادون غنىً، بمعدل يفوق معدل نمو الطبقة الوسطى، وبسرعة تفوق قدرتها على اقتسام الكعكة الوطنية. مع ذلك لا يزال بمقدور الطبقة الوسطى النامية في تلك الدول أن تضغط على حكوماتها كي تتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى حمايتها من التضخم وعدم المساواة، وفقاعة التضخم العقارية مثل تلك التي شهدتها الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى مستوى أكثر فردية، فإن تلك الظروف - عدم المساواة نتيجة لفجوة الدخول - يمكن أن تدفع الأفراد للسعي من أجل أشياء أكثر بقاءً واستمراراً من الرخاء المادي كالتعويض الروحي على سبيل المثال. كريستا كيس براينت كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة"كريستيان ساينس مونيتور"