كم كنت سعيداً بحضوري منتدى الإعلام العربي في دورته العاشرة، والذي عقد في الإمارات خلال الأسبوع الماضي. سرُ سعادتي تكمن في الالتقاء بزملاء الإعلام من جل الدول العربية، فخلال منتدى هذا العام كانت المشاركات من 36 دولة بحضور ستين إعلامياً في الحوار و النقاش والمحاضرات. وتفاعل معهم 2400 مشارك، وقد شهدت أروقة المنتدى نقاشاً حاداً في العديد من القضايا التي تهم الشارع العربي، كيف لا والمنتدى يعقد في زمن لم يعتده العرب. ومن هنا جاء عنوان المنتدى "الإعلام العربي وعواصف التغيير". هذه العواصف التي هب بها الشباب مطالبين بما يحلم به كل إنسان على كوكب الأرض، من حرية وكرامة وعدالة، وكأن العربي عاش فترة من الزمن ليست بالبسيطة لا يعرف معنى للكرامة والحرية والحقوق الأساسية للإنسان. وقد لعب الإعلام العربي دوراً فاعلًا في إيهام الشباب وبرمجتهم وفق ما تريده الأنظمة الشمولية، حيث تم شغل وقت الإنسان العربي في الحقبة الماضية ببرامج أقل ما يُقال عنها إنها تافهة، حيث كانت تخاطب الجسد والشهوات، وتنأى بنفسها عن بناء العقل. ولو تطرقت إلى الجانب الفكري والثقافي من البرامج الحوارية، فقد خنقت وقتها بأجهزة الرقابة الحكومية والمؤسسية في تلك الأنظمة، فلا صوت يعلو فوق صوت الحزب الحاكم، ومن كان يجرؤ على فتح حوار يعارض فيه رموز السلطة في بعض الدول العربية، أو يشتكي من تردي الأوضاع، فعندها يُنظر إليه هناك بأنه عدو للدولة وللشعب في الوقت نفسه. لقد كان الإعلام العربي يشكل محوراً جوهرياً ليس في القيام بدوره كسلطة رابعة كما هو شان الإعلام في الدول المتحضرة، بل كان الإعلام العربي جسراً تُمرر من خلاله القرارات وعقلًا يختصر فكر الأمة فيما تريد السلطة. وعندما تسأل المسؤولين عن الإعلام في وقتها عن الدور المتهالك للإعلام العربي والذي يلخص في إعلام هابط من حيث الغناء والفن، فإن الرد يكون حاضراً لدى المسؤولين فجلهم كان يقول الشارع العربي يريد ما نقدم. وفجأة وإذا برياح التغيير تهب على العالم العربي، ويتحرك الشارع العربي في بعض الدول، ويهتف بأعلى صوته الشعب لا يريد هذا. الشعب العربي الذي راهن الكثير على أنه انسلخ من قيمه ومبادئه، وانغمس إما في شهواته كما هي حال العربي في بعض المناطق، أو في فقره كما يعيش العرب في معظم الدول العربية، هب ليقول بصوت واحد : الشعب يرفض هذا الواقع. وعندما أصر الإعلام في الدول التي شهدت تغييراً على موقفه، حتى مع بداية التغيرات التي شهدها الشارع العربي، قام هذا الأخير بإيجاد إعلام من نوع جديد، هو إعلام الهواتف الذكية المتحررة... هذا الإعلام يدق ناقوس الخطر، ليقول بصوت يسمعه الجميع إلا من في أذنية صمم. الشعب يريد إعلاماً أرقى في الفكر وأنقى في الأخلاق وأجرأ في الطرح. الإعلام الجديد هو الذي يرفع الشعار الذي قالته الدكتورة رفيعة غباش في المنتدى: لا ينبغي الاتجار بالأخلاق والقيم.