توج الكفاح المسلح الإريتري بتحقيق نصر أعطى إريتريا شكلها الحالي كدولة مستقلة ذات سيادة. وخلال المراحل الأولى تم التركيز على بناء الدولة لكي يتم الانتقال من الثورة إلى الدولة، وعلى العلاقات السياسية الخارجية، وعلى الجوانب الاجتماعية والسياسية الداخلية للبلاد. ويمكن إدراج النضال الذي خاضه الشعب الإريتري ضمن قائمة النضالات الرائدة التي خاضتها شعوب العالم النامي ضد المستعمرين، وأرست لنفسها تقاليد نضالية معينة في أوقات الحرب والسلام اهتمت بالجوانب الاجتماعية بشتى أبعادها وبتكوين خطوط سياسية واضحة سارت جنباً إلى جنب مع الخطوط التي كانت مرسومة للكفاح بشتى أبعاده ومفاهيمه. وهذا النمط من التفكير كان من المفترض ألا يخرج عن المناهج التي يتم إتباعها بعد الاستقلال. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا" هي صاحبة أكبر موطئ قدم على الساحتين العسكرية والاجتماعية، يمكن القول بأنه من المفترض أن تكون ممارساتها فيما بعد الاستقلال هي التي سيطرت على جوانب الشأن الإريتري لكي تقوده إلى الوحدة الوطنية أولاً، ثم بعد ذلك إلى التنمية الشاملة المستدامة والحرية والديمقراطية، أي أنه من المفترض أن تكون النخبة التي تقود البلاد قد استفادت من تجاربها المختلفة على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. عندما استقلت إريتريا، بل وقبل إجراء الاستفتاء ومن ثم الاستقلال، قام محدثكم بالكتابة كثيراً حول الشأن الإريتري ما بين البحوث العلمية والمقالات الصحفية من منطلق الاهتمامات العروبية الواسعة بالشأن الإريتري منها الأمني والاستراتيجي والسياسي والاقتصادي، في بداية الأمر كنا متفائلين كعرب بمستقبل إريتريا السياسي والاقتصادي نظراً لما أعلمه كثيراً شخصياً عن تلك البلاد وشعبها الصبور الطموح المكافح والمحب جداً لوطنه. تفاؤلنا ذاك دفعنا إلى الافتراض بأن النخبة السياسية التي ستقود، ستقوم بتوجيه جل اهتمامها لتحليل وفهم خصوصية مواقعها الذاتية من حيث كونها قيادات سيطرت أثناء الكفاح المسلح على الكثير من الربوع الإريترية مدناً وسهولاً وهضاباً وجبالاً، وفي أوقات شبه مستمرة أثناء الثورة. لقد شهدت ذلك بأم عيني ولم يروِه لي أحد. كنا نفترض بأنها وهي قيادة سياسية، ستضطلع بدور مهم هو توجيه البنى السياسية والاجتماعية نحو تحول جذري محوره انتشال إريتريا وشعبها مما تسبب لهم فيه الاستعمار من مآسٍ. وكنا نفترض بأن يتشارك الجميع في شؤون الوطن وشجونه، وأن يتقاسموا خيراته والسلطة فيه، وأن يتم إرساء أسس المشاركة الشعبية الواسعة والشاملة، فالوطن كما يقولون للجميع. لكن الأنباء والأحاديث التي ترد، تشير إلى أوضاع مغايرة وإلى وجود اختلالات واختلافات عميقة بين النخبة السياسية التي تقود من جانب والنخب السياسية التي تعارضها وشرائح واسعة من الجماهير الإريترية من جانب آخر. ولعل أن تلك الأنباء غير صحيحة، ولعل الأحاديث غير دقيقة، فما نعلمه كعرب حالياً عن إريتريا قليل، وهي اختارت طريقها بعيداً عن العرب، نحن لا نتمنى لإريتريا وشعبها سوى كل خير، فهي امتداد لنا كعرب في القرن الإفريقي، ولا أحد يستطيع تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا.