عندما انتخب أوباما عمت العالم موجة من الارتياح. وعلّقت أمال كثيرة عليه. أحد الأسباب كان: التخلص من إدارة بوش الابن التي خربت الولايات المتحدة والعالم! ورغم موقفي من هذه الإدارة وقناعتي بمسؤوليتها عن تخريب العالم وتعزيز فرص تنامي الإرهاب فيه، كتبت يومها: "لا شك في أن انتخاب أوباما حدث في أميركا. رجل من أصول أفريقية يصل إلى الرئاسة هو أمر استثنائي. وهو صاحب كاريزما. وخطابه جيد. لكن لا يجوز الإفراط في التفاؤل. ما يعنينا في المنطقة ومعيار صدقيته في ما يقول هو في طريقة تعاطيه مع قضايانا وعلى رأسها القضية الفلسطينية، أم القضايا والأساس في استقرارنا أو عدم استقرارنا. فإذا أقدم الرجل على قيادة حل مسيرة لهذه القضية يكون مختلفاً عن غيره وإذا أحجم عن ذلك واستمر في السياسة التقليدية مع إسرائيل يكون مثل غيره ولا يعنينا أمر إصلاحات في الداخل الأميركي على حساب مصيرنا هنا"! جاء أوباما إلى القاهرة عام 2009، أطلق خطاباً واعداً. كررت الكلام ذاته وقلت العبرة في التنفيذ! ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، لم نرَ أوباما إلا إلى جانب إسرائيل. هذه الأخيرة التي أحرقت غزة، ودمرتها ولا تزال تحاصرها. أدان معظم العالم ممارساتها الإرهابية وحمتها الإدارة الأميركية. صدر تقرير جولدستون، رفضته إسرائيل. فكان تعديله وبدعم من أميركا. ولم تدن إسرائيل أو تحاكم على مجازرها. قتلت إسرائيل مواطنين أتراكاً على متن سفينة الحرية. منعت أميركا عنها الإدانة وحمت إسرائيل نفسها وإرهابييها. دفعت الإدارة الأميركية السلطة الفلسطينية إلى الحوار مع إسرائيل وشجعتها على رفع شعار "المفاوضات مقابل وقف الاستيطان". وذهبت السلطة إلى النهاية، فكانت النتيجة أن تخلت إدارة بوش عن موقفها وعن شعارها وعن السلطة في آن معاً، وانحازت إلى موقف إسرائيل، المبني على الدخول إلى مفاوضات دون شروط مسبقة، مطلقة عملية استيطان كثيف في كل المواقع الفلسطينية المحتلة، ومرفقة هذه العملية بسلسلة من الإجراءات والقرارات والممارسات التي تؤدي إلى قتل وتهجير وحصار الفلسطينيين، وكانت قمتها الإصرار على اعتراف السلطة بإسرائيل دولة يهودية قبل العودة إلى المفاوضات، ثم سنّت قوانين في الكنيست تشترط فيها منح الجنسية لمن يلتزم بيهودية الدولة وتطرد فيها وتسحب بموجبها جنسية من لا يقبل ذلك. فهددت حق بقاء الفلسطيني على أرضه كما أصرت على رفض حق عودته من الخارج إلى أرضه وحمت إدارة أوباما هذه السياسة. حاصرت إسرائيل السلطة الفلسطينية وأضعفتها إدارة أوباما. أفشلت إسرائيل وأميركا كل مساعي توحيد الصف الفلسطيني ورفضتا كل الاتفاقات بين القوى الفلسطينية المختلفة. أفشلت إسرائيل كل المساعي الأوروبية والروسية وأجهضتا كل الأفكار لتحريك ما سمّي بعملية السلام وغابت إدارة أوباما عن الساحة لأنها غرقت في شؤون داخلية معقدة وكذلك في دائرة الإمساك الإسرائيلي بمفاصل كثيرة في القرار الأميركي. اليوم، تمت المصالحة بين "حماس" و"فتح". وقال خالد مشعل خطاباً مهماً في القاهرة نفسها التي أدلى فيها أوباما بخطابه الشهير. وفي القاهرة التي أشار إلى دعمها الرئيس الأميركي لاستيعاب مفاعيل الفورة الشعبية فيها التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك. طالب مشعل بدولة فلسطينية بحدود عام 1967 وهذا تطور كبير من قبل حركة إسلامية. كان يفترض التقاط هذه الفرصة والاستفادة من الاتفاق على وجود مرجعية فلسطينية واحدة وسلطة واحدة لمشروع واحد ودولة واحدة أشير فيها إلى حدود 67 على لسان مشعل نفسه، هذه فرصة نادرة. لكن الإدارة الأميركية تجاوزت الأمر وكأنه لم يكن، لأنها مثل إدارة نتنياهو لا تريده أن يكون. وبالتالي أضاعت فرصة وصول مرجعية واحدة، وشريك كما تقول في خطاباتها يمكنه الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل فهل هذا يعني أنها تريد السلام؟ وهل تريد السلام للمنطقة وأهلها أم تريد السلاح والسلام لإسرائيل، وبالتالي تريد تكريس الاحتلال والإرهاب وتوليد العنف في وجهه؟ لقد حاولت باريس الدخول في نقاش مع إسرائيل لدفعها إلى موقف عقلاني والاستفادة من هذه المصالحة في ظل متغيرات عربية هائلة في بنية وطبيعة النظام العربي. وكانت تريد عقد مؤتمر للمانحين في باريس لمساعدة الفلسطينيين ومسيرتهم نحو دولة ديموقراطية. رفضت إسرائيل كل ذلك وانكفأت أميركا وبقيت فرنسا وحدها لا تستطيع فعل شيء. استقوى نتنياهو بخطاب الرئيس الأميركي. الذي كان العام الماضي وفي دورة الأمم المتحدة السنوية تحدث عن لقاء في الدورة المقبلة واجتماع هنا في الأمم المتحدة "تكون فيه دولة فلسطينية قد قامت"! اليوم قال: "لن تنجح محاولات الفلسطينيين عزل إسرائيل في الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل"! لماذا؟ لأن الفلسطينيين لوحوا بإمكانية الذهاب إلى الأمم المتحدة وبقرار عربي يدعو إلى قيام دولة فلسطينية أمام تعنت ورفض إسرائيل أي خطوة في هذا الاتجاه. أصّر أوباما على يهودية الدولة. أكّد العناوين ذاتها... ولم يشر إلى وقف الاستيطان، فقابلته إسرائيل بقرار معلن أثناء إلقائه كلمة، بناء 1550 وحدة استيطان في القدس. وهو لم يشر إلى القدس بكلمة. لقد شكل خطاب أوباما خيبة كبيرة على المستوى الفلسطيني، وهو جاء في ذكرى النكبة، وبعد مقتل أسامة بن لادن، ستذهب حكومة نتنياهو إلى مزيد من الإرهاب تحت عناوين مختلفة أهمها التغيير في مصر والاتفاق بين "حماس" و"فتح"، وتهريب السلاح من رفح وتهديد أمن إسرائيل من خلال الأصوليات المحيطة بها من هنا وهناك، مما يعني حقها في اتخاذ كل ما تراه مناسباً لحماية أمنها ومتطلباته الاستراتيجية، وهذا ما أشار إليه أوباما في خطابه. أهم ردّ على ذلك، تعزيز الوحدة الفلسطينية، والاتفاق على برنامج واحد، وآلية مواجهة واحدة. مواجهة ستكون صعبة في ظل الواقع العربي الخطير الذي دخل أوباما على خطه داعماً تركيبة هنا ومهدداً لتركيبة هناك وفي كل ذلك محاولة التأكيد أن القرار هو لأميركا وفق ما تراه هي مناسباً. وقرارها واضح: إسرائيل دولة لليهود. وكان لافتاً في هذا السياق كلام أوباما عن أن مصير الولايات المتحدة مرتبط بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعني في واقع الحال ومضمون الخطاب مرتبط بإسرائيل ومستقبلها وعلى هذا الأساس تقاس خطوات إدارته. وهذا كلام خطير جداً!