أفرز ما قد يبدو تدميراً ذاتياً لــ"دومينيك ستراوس كان" عواقب ثابتة ومؤكدة في الشؤون السياسية الحزبية الفرنسية، وفي الحملة الانتخابية الرئاسية التي ستقدم لفرنسا في الربيع المقبل رئيساً جديداً أو تعيد انتخاب الرئيس الحالي، وفي المفاوضات الدولية المتواصلة حالياً حول المديونيات الوطنية داخل منطقة اليورو. غير أن ذلك كان مذلاً بالنسبة لفرنسا نظراً لشهرة ستراوس ومكانته باعتباره مدير صندوق النقد الدولي، والمرشح الرئيسي المفترض لرئاسة فرنسا العام المقبل، والطابع الدنيء للفعلة التي يفترض أنه ارتكبها، والتي تكرس رسماً كاريكاتورياً تقليدياً وساخراً عن فرنسا كدولة ومجتمع غير جديين وغير مسؤولين. وقد شملت المشاعر المعبّر عنها في الحوارات التقليدية التي تجريها الصحافة والتلفزيون الفرنسيان مع الرجال والنساء في الشارع الفرنسي، الغضبَ والدفاع عن ستراوس، والاشتباه في الإيقاع به عبر فخ نصبه له الخصوم والمتأمرون السياسيون، والحنق بسبب التعاطي الدولي مع القضية، والصدمة الشعبية من الطريقة التي عومل بها مدير صندوق النقد الدولي أثناء خضوعه للتحقيق من قبل شرطة وقضاء مدينة نيويورك. ولا يسع المرء هنا إلا أن يرد على جمهور فرنسي مدمن إلى حد كبير على البرامج التلفزيونية الأميركية ودراما الجريمة والقضاء، بأن عليه أن يعرف الأمور البديهية. فإذا كان شخص ما لا يرغب في أن يتم تقييده بالأصفاد ويقضي ليلته في ظروف غير مريحة بمركز للشرطة، ويعيش إذلال مشية المتهم الشهيرة أمام المصورين وكاميرات التلفزيون أثناء اقتياده للمثول أمام قاضي محكمة جنائية لأول مرة، فعليه ألا يتورط في جريمة مثيرة في مدينة نيويورك، لأن هذا المشهد هو جزء من ردع الجمهور. وربما لا يشاهد ستراوس التلفزيون الأميركي ولا يدرك أن الجميع يلقى المعاملة نفسها، بما في ذلك تاجر المخدرات، والرجل الذي يضرب زوجته... ومحتال "وول ستريت" الذي كان شخصية مشهورة مشتبه في ارتكابها جريمة ما. القضية وما فيها هي أن المشاهير يجذبون المصورين! والواقع أنه في فرنسا، كان سيتم، حتى عهد قريب على الأقل، تجاهل قضية مثل هذه من قبل وسائل الإعلام، وكانت الشرطة ستغطي عليها باستثناء تسريبات انتقائية لبعض الدوائر، لكنها في الأخير تصبح "معروفة" لدى الجميع أثناء الدردشة حول طاولات العشاء الباريسية. ولكن الجمهور آخر من يعلم، هذا إن علم شيئاً أصلاً، وذلك لأن الأشخاص الذين يعلمون عادة فقط هم الذين سيعلمون. أحد التعليقات حول المشهد الذي أثارته طريقة معاملة ستراوس كان خلال الأيام الأولى بعد اعتقاله، وهو أنها تشبه الطريقة التي كان يعامَل بها سجناء الحق العام "في عهد النظام القديم"، أي قبل الثورة في فرنسا. والحال أن فرنسا اليوم جمهورية، لكنها ملكية جمهورية! وذلك سبب يجعل إعادة انتخاب ساركوزي للرئاسة العام المقبل موضع شك. فهو يفتقر إلى الرقي؛ لكن كذلك الحال بالنسبة لستراوس مثلما أظهر: فهو لم يرتكب جريمة فحسب، بل تخلى عن إنسانيته. فأن تفعل مثلما يقال إنه فعل، يشير إلى تدمير ذاتي. وحسناً فعلوا حين وضعوا مراقباً على زنزانته حتى لا يقدم على الانتحار في سجن جزيرة ريكرز. غير أن بعض الأشخاص كانوا يعرفون دائماً بشأن ستراوس؛ أشخاص مهنتهم أن يعرفوا ويخبروا الرأي العام: إنهم الصحافيون. والواقع أن ليس كل السياسيين الكبار في فرنسا كانوا يعرفون بشأن ستراوس، وإنما كل الصحافيين. فقد كانت الصحافيات تعلمن أنه يجب ألا يذهبن بمفردهن لإجراء مقابلة معه. إنها مزحة! لكنها ليست كذلك كلياً. وفي صندوق النقد الدولي، يقال إنه كان ثمة تفاهم من قبل الموظفين على إبقاء النساء الجميلات بعيداً عن محيطه. لكن ذلك لم يكن مزحة بالنسبة لتريستان بانون، الشابة الفرنسية التي تقول إنه حاول اغتصابها في عام 2002 عندما كانت في الثالثة والعشرين من عمرها. وتقول إنها اضطرت لمقاومته، لكن البعض أثناها عن أخذ القضية إلى الشرطة، فقط لأن والدتها التي تشغل منصباً هاماً في الحزب الاشتراكي، قالت إن العائلتين تربطهما صداقة، وإن أي دعاية ستكون فظيعة. والمؤكد أنها لم تكن ترغب في قضاء بقية حياتها معروفة بلقب ضحية ستراوس. وقد قامت هذه الشابة لاحقاً بوصف محنتها في برنامج حواري، لكن القائمين على البرنامج ارتأوا حجب اسم ستراوس. كما لم يكن الأمر مزحة بالنسبة لـ"أوفيليا" العاملة في الفندق، التي فرت من شقتها، وتم توفير رجل أمن لحمايتها، وتقول إن حياتها تحولت إلى كابوس. ولعل أكثر ما يحزن ويحير في هذه القضية هو دافع ستراوس. فقد كان أحد أكثر الرجال شهرةً واحتراماً في الحياة العامة الدولية، وكان ثمة سبب وجيه للاعتقاد بأنه يمكن أن يصبح رئيساً لفرنسا. لكنه بدلا من ذلك، قام باختيارٍ كثيراً ما قام به من قبل على ما يبدو، ولابد أنه عرف إلى أين يؤدي به هذا الاختيار في نهاية المطاف: إلى إذلال مشية المتهمين، وإلى مراقبته على مدار اليوم في سجن جزيرة ريكرز خشية إقدامه على الانتحار. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيس"