بحلول هذا الأسبوع واجه القانون الأميركي بشأن اختصاصات شن الحرب لحظة الحقيقة، فاليوم يكون قد مر على قرار أوباما بإطلاق حملته على ليبيا ستون يوماً، وحسب القانون فقد بدأ العد العكسي لإنهاء الحملة منذ اليوم الأول لانطلاقها وإعلان أوباما أمام الكونجرس أنه ماض قدماً فيها، ولكن إذا فشل أوباما في تجديد موافقة الكونجرس فسيكون مضطراً إلى إنهاء الحملة في ظرف لا يتعدى ثلاثين يوماً. والحال أن أوباما لم يحاول حتى التقدم بطلب إلى الكونجرس لتمديد الحملة العسكرية، تاركاً الأمر للسيناتور "الجمهوري"، ريتشارد لوجار، العضو في لجنة العلاقات الخارجية، للدعوة إلى "قرار خاص يمنح الرئيس سلطة شن الحرب"، هذا في الوقت الذي لم يبدِ فيه لا الرئيس ولا القيادة "الديمقراطية" في الكونجرس أدنى اهتمام بالموضوع، بل تناسوه كلية فيما الستون يوماً تقترب من نهايتها. واللافت أن سياسة أوباما المستمسكة بالصمت، في هذا الشأن، تناقض بشكل صارخ الصلاحيات القانونية المنوطة بالجهاز التنفيذي، كما تختلف عن محاولات الرؤساء السابقين المؤكدة لاختصاصاتهم بموجب الدستور. وفي هذا الإطار نتذكر اعتراض نيكسون في عام 1973 على قانون شن الحرب الذي يفرض عليه تأمين موافقة الكونجرس لأنه يفرض قيوداً على السلطة التنفيذية، ولكنه اضطر بعد ذلك إلى الإذعان بعدما أبطل الكونجرس بأغلبية الثلثين اعتراضه. ومنذ ذلك الوقت والرؤساء الأميركيون يقبلون هذا الوضع كما تبين مع كارتر الذي أكد دستورية مهلة الستين يوماً في عام 1980 ولم يجرؤ أحد من بعده على تحدي صلاحيات الكونجرس في شن الحرب وتقييدها لسلطات الرئيس في هذا الصدد بمنحه مدة لا تتجاوز الشهرين يتعين بعدها الرجوع إلى مجلسيه لأخذ الموافقة والحصول على التمويل من جديد. ولم يخرج أوباما عن هذا التقليد عندما أعلن في رسالته بتاريخ 21 مارس الماضي، الموجهة إلى أعضاء الكونجرس لإخبارهم بحملته العسكرية على ليبيا، أن خطته تلك تنسجم تماماً مع قانون صلاحيات الحرب المخولة للرئيس. كما أن القسم القانوني في البيت الأبيض أصدر رأياً قانونيّاً يعترف فيه بمهلة الستين يوماً ولا يشكك في دستوريتها. فلماذا إذن لم يضغط أوباما على الكونجرس لتمديد الحملة قبل انتهاء المهلة القانونية؟ الجواب: لأنه من الأسهل عليه الالتفاف على المشكلة بالادعاء أن القانون لا ينطبق في هذه الحالة، فبحلول اليوم الجمعة من المتوقع أن يعلن الفريق القانوني للإدارة أن العملية الأميركية في ليبيا انتهت فعليّاً في الأول من أبريل الماضي عندما تسلم حلف شمال الأطلسي "الناتو" المهمة العسكرية. وبما أن "الناتو" يشرف حاليّاً على القصف الجوي فلا مجال لتطبيق قانون صلاحيات الحرب، ومن ثم لا يحتاج الرئيس إلى موافقة الكونجرس للاستمرار فيها. بيد أن الطائرات الأميركية ظلت تحلق فوق السماء الليبية حتى بعد الأول من أبريل، هذا بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار التي انضمت مؤخراً إلى الحملة. وبما أن تكلفة التدخل الأميركي تزحف نحو ثلاثة أرباع المليار دولار فمن غير المنطقي الادعاء بأن أميركا نفضت يديها من الحملة الليبية. ويتأكد الانخراط الأميركي أكثر بتواجد ضابط أميركي كبير على رأس قيادة "الناتو"، فباعتباره القائد الأعلى لقوات التحالف يقود الأدميرال "جيمس ستافريديس" العمليات العسكرية. وعلى رغم أن جنرالاً كنديّاً يقود الحملة الجوية تبقى السلطة النهائية للقائد العسكري الأميركي الأعلى منه في تسلسل القيادة. بل حتى لو توقفت الطائرات الأميركية عن المشاركة سيستمر الأدميرال الأميركي في قيادة العلميات العسكرية. والحقيقة أن انخراط أميركا في حلف شمال الأطلسي ليس مستغرباً بالنظر إلى توظيفها لـ"الناتو" في تحقيق مصالحها منذ الخمسينيات، وستكون سابقة غير محمودة لو أن الولايات المتحدة تخلت عن الحلف في هذه اللحظة. ولكن في المقابل أيضاً، ما أن يقطع أوباما حاجز اللاعودة حتى يستغل الرؤساء القادمون سابقة ليبيا لشن حملات عسكرية بشكل منفرد. فبالمقارنة مع رؤساء سابقين لاشك في أن أوباما يسجل سابقة، فقد لجأ بوش في عز حملته على العراق وأفغانستان إلى تأمين موافقة الكونجرس، وعلى رغم الخطوة الانفرادية التي أقدم عليها كلينتون عندما ألزم أميركا بقصف صربيا، إلا أنه قبل ذلك أقنع الكونجرس بتمويل حملته في غضون الستين يوماً المنصوص عليها في القانون. وبخلاف ذلك لم يمنح الكونجرس تمويلًا خاصاً للحملة على ليبيا منذ بدء القصف. ومن المتوقع أن تتجاوز الحملة مدة الثلاثين يوماً بعد انتهاء مهلة الشهرين التي يتعين فيها وقف الحملة غير المرخص لها من قبل الكونجرس. وحتى اليوم ما زالت هناك فرصة لطلب ترخيص مستعجل من الكونجرس يجيز استمرار الحملة العسكرية على ليبيا، لكن إذا لم يحدث ذلك واستمر البيت الأبيض في تجاهل الكونجرس فإن أوباما يكون قد أصدر حكماً بالإعدام على القانون الأميركي المتعلق باختصاصات شن الحرب، علماً بأنه الرئيس الذي لم يكف في حملته الانتخابية عن التأكيد على رغبته في وضع حد لقرارات شن الحروب العشوائية. بروس أكرمان وأوانا هاثواي أستاذان في القانون والعلوم السياسية بجامعة "ييل" الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"